ترامب.. الوجود العسكري في الشرق الأوسط لحماية “إسرائيل”
د. معن منيف سليمان
يؤكّد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، مراراً وفي كل مناسبة أن سبب وجود القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، لم يعد النفط، ولكن حماية أمن “إسرائيل”. وأن أمريكا ستواصل دعمها لـ”إسرائيل” تعبيراً عن التزام هذه الإدارة والشعب الأمريكي بأمن “إسرائيل”، وتؤكد أحداث منطقة الشرق الأوسط وتجاربها منذ زرع “إسرائيل” حتى يومنا هذا على أن نظرة أمريكا إلى “إسرائيل” نظرة خاصة، وأن لـ”إسرائيل” مكانة متميزة في الإستراتيجية الأمريكية، ولعقود مضت احتفظت كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” بعلاقات ثنائية وثيقة قامت على أساس عدة عوامل، بما في ذلك الدعم المحلي القوي في الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” وأمنها، والأهداف الإستراتيجية المشتركة في الشرق الأوسط والروابط التاريخية. كل ذلك شجع “إسرائيل” على الغطرسة، وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وعدم الانصياع للقرارات الدولية.
اعترف الرئيس “ترامب” أن الولايات المتحدة تحتفظ بقواتها في الشرق الأوسط لحماية “إسرائيل” فقط. وقال إن “هناك سبباً واحداً لبقاء القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هو “إسرائيل”، النفط كسبب للبقاء تتضاءل أهميته، لأن إنتاجنا منه في الوقت الحالي أكبر من أي وقت مضى”.
إن الولايات المتحدة متمسّكة بصورة عميقة بحماية “إسرائيل”، والعمل وفق مصالحها في المنطقة، وهي تواصل العمل بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ما يثبت من جديد التزام الولايات المتحدة بأمن “إسرائيل”، إذ يلتقي الجيشان الأمريكي والإسرائيلي معاً في تمرين (Juniper Cobra 2018)، الذي يهدف لتعزيز قدرات “إسرائيل” في التصدي لتهديدات القذائف والصواريخ، وتحسين تبادل الخبرات بين قوات الطرفين في مواجهة المخاطر المتنوعة.
هذا وكان قانون أمريكي قد دخل حيّز التنفيذ بدءاً من 2 تشرين الأول 2018م، يكفل تقديم مساعدات عسكرية لـ”إسرائيل” بقيمة 38 مليار دولار لمدّة تصل إلى عشرة أعوام. وبموجب شروط مذكرة التفاهم، ستقوم واشنطن بتمويل “إسرائيل” بقيمة 3.3 مليارات دولار في التمويل العسكري الأجنبي، و500 مليون دولار للبرنامج التعاوني لتطوير الدفاع الصاروخي على مدى السنوات العشر القادمة.
ولاشك أن الهدف من تنفيذ مذكرة التفاهم هو التعبير عن الالتزام الدائم والثابت للرئيس “ترامب”، وهذه الإدارة والشعب الأمريكي بأمن “إسرائيل”. وانطلاقاً من هذا المبدأ جمعت الولايات المتحدة الأموال بشكل مستمر لدعم الجيش الإسرائيلي، ففي أواخر العام المنصرم 2018م، نظّم أصدقاء ما يُسمّى “قوات الدفاع الإسرائيلية” حفلين لجمع المال للجيش، ووصل مجموع ما تمّ جمعه إلى 92 مليون دولار في الأمسيتين. الحدث الأول الذي عقد في شهر تشرين الأول في نيويورك جمع نحو 32 مليون دولار، وكان قد حضره أكثر من ألف من رجال الأعمال الأمريكيين، فضلاً عن الشخصيات الرئيسية من المؤسسة الإسرائيلية. وفي شهر تشرين الثاني من العام نفسه، جمع مهرجان “FIDF” الثاني في “بيفرلي هيلز” ـ “كاليفورنيا” الذي حضره عدد من المشاهير، نحو 60 مليون دولار.
إن تاريخ الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” بدأ منذ قيامها عام 1948م، حيث شكّلت المساعدات الخارجية مكوّناً أساسياً في تعزيز العلاقات بين البلدين. وطالما عدّ المسؤولون الأمريكيون “إسرائيل” شريكاً موثوقاً به في المنطقة، وهو ما عكسته حزمة المساعدات الأمريكية، بيد أن المعارضين للمساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل” يرون أن تلك المساعدات تؤدي، بطريق غير مباشر، إلى زيادة معاناة الفلسطينيين من خلال دعم مشتريات الأسلحة الإسرائيلية وإضعاف الضغط على “إسرائيل” للتوصل إلى حلٍّ للقضية الفلسطينية.
تعدّ “إسرائيل” أكبر مستقبل للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، مساعدات ثنائية (عسكرية واقتصادية)، لكن معظم تلك المساعدات عسكرية، بالرغم من أن “إسرائيل” كانت تتلقى في الماضي مساعدات اقتصادية، وتشكل تلك المساعدات نحو 20 بالمئة من ميزانية “الدفاع” الإسرائيلية.
وقد أدّى دعم الكونغرس القوي لـ”إسرائيل” إلى تلقيها مزايا لا تتوفر لأية دولة أخرى في العالم، فعلى سبيل المثال، فإنه في وسع “إسرائيل” استخدام جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية في مجال الأبحاث، وفي التطوير في الولايات المتحدة أيضاً، وكذلك في شراء الأسلحة من المصنّعين الإسرائيليين. كما أن “إسرائيل” لديها ميزة الحصول على تلك المساعدات بمجرّد إقرارها مع كل ميزانية فيدرالية جديدة، وليس كغيرها من الدول الأخرى، تحتل “إسرائيل” المرتبة الأولى في حجم المساعدات العسكرية الأمريكية.
وفي عام 2008م، مرّر الكونغرس قانونًا للتأكد من أن “إسرائيل” تمتلك، وبشكل دائم ، وضعاً عسكرياً أفضل من أعدائها. كما يلاحظ دعم واشنطن وتشجيعها للتصنيع الإسرائيلي الحربي، حتى أن أمريكا تأتي على رأس الدول المستوردة للسلاح الإسرائيلي. وقد أبرمت “إسرائيل” عقوداً لصفقات أسلحة مع العديد من دول العالم ، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بين عامي 2003 ـ 2010م، بقيمة 12 بليون دولار. ومن ناحية أخرى، كانت “إسرائيل” الدولة الوحيدة التي حصلت على الموافقة الأمريكية عام 2010م، لشراء عدد من الطائرت المقاتلة الأمريكية إف ـ35 التي تمثّل الجيل الخامس من طائرات (ستيلث) حتى 75 طائرة، وعلى قنابل الأعماق الذكية (بنكر بوستر) زنة 5000 رطل التي بإمكانها الوصول إلى هدفها بعمق يصل إلى 20 قدماً تحت الأرض.
إن تجارة السلاح أمر واقع وطبيعي بين الدول، ولكن في حالة الأسلحة التي تزوّد الولايات المتحدة “إسرائيل” بها فإنها من دون أدنى شك تُستخدم لانتهاك القوانين الدولية والإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث إن القانون الأمريكي يحظر أن تقوم الولايات المتحدة بتزويد السلاح لدول لا تحترم القانون الدولي والإنساني، وتقوم بانتهاكه يومياً كما هي الحال مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
تؤكد أحداث منطقة الشرق الأوسط وتجاربها منذ نشأة “إسرائيل” حتى يومنا هذا على أن نظرة الولايات المتحدة إلى “إسرائيل” نظرة خاصة، وأن لـ”إسرائيل” مكانة متميزة في الإستراتيجية الأمريكية، فلم تصدر على سبيل المثال حصيلة من التصريحات تماثل ما قيل ويقال باستمرار حول حماية وتأكيد الروابط الوثيقة بين الطرفين، ولم تحصل أية دولة من الدول على المساعدات الأمريكية، بتلك الأرقام القياسية التي حصلت وما زالت تحصل عليها “إسرائيل”.
إن “إسرائيل” بالنسبة لأمريكا مرتكز استراتيجي في المنطقة، ويرتبط دورها الاستراتيجي بدورها في مجابهة طموحات القوى المناهضة للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، ودورها في الحفاظ على الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة وأهمها تدفق النفط وتأمينه من خلال ما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي.
وعلى الرغم من أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يتعارض مع كافة القواعد والمواثيق والمعاهدات الدولية والقانون الدولي والإنساني، فإن “إسرائيل” تعمد إلى ترسيخ دعائم احتلالها في الأراضي المحتلة، بحيث أضحت الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني أمراً طبيعياً يحصل كل يوم، تقوم بتوثيقه مؤسسات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة وهي شاهدة حيّة على الانتهاكات الإسرائيلية، ولكنها في الوقت نفسه تقف متقاعسة أمام غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، ولاشك أن مردّ ذلك نتيجة لما يتلقاه الاحتلال من مساعدات أمريكية: عسكرية، واقتصادية، ودعم دبلوماسي في المحافل الدولية!.