بفضل الإرادة والعزيمة قصص نجاح من قلب المعاناة يسطّرها الناجحون في امتحان الشهادة الثانوية
بعيداً عن الواقع الخدمي، وحالات التقصير التي تبرز هنا وهناك، ثمة حالة برزت مؤخراً في السويداء تستدعي الوقوف عندها وهي قصص النجاح، فرغم كل ما عاشته المحافظة خلال العام الفائت والجاري من توترات، وانفلات أمني، وهجوم “داعش” الإرهابي، إلا أن بعض الطلاب نجحوا بفصل أنفسهم عن تلك الأحداث، والتركيز في دراستهم، مقدمين نموذجاً يحتذى به في التعامل مع الظروف، وعدم الاستسلام لها، وآخرون استطاعوا تجاوز مأساتهم ومعاناتهم، والقفز فوق آلامهم ليحققوا تفوقهم، وليرسموا صورة مشرقة لمحافظة طالما تغنى أهلها بالمستوى الحضاري المتقدم الذي وصلوا إليه، وتدل على ذلك المؤشرات التعليمية، والاجتماعية، والسكانية المتقدمة التي تحققت.
الناجية من المجزرة
عادت “حنين الجباعي”، الاسم الذي حفر في ذاكرة السوريين كأحد الناجين من اليوم الأسود لهجوم “داعش” على ريف “السويداء” قبل أقل من عام،
الشابة التي واجهت وحشة الإرهابيين، لتواجه امتحانات الثانوية بفرعها العلمي، وتحرز نجاحاً تمنت لو أن والدتها وشقيقاتها اللواتي قتلهن “داعش” حاضرات تزف لهن الخبر وتفرح معهن، ولكن للقدر حسابات أخرى دائماً،
الجباعي التي برز اسمها خلال أحداث تموز العام الماضي فقدت أمها وشقيقتيها، وفقدت أباها وهي طفلة، تحدت إرهابيي داعش، واستطاعت تخليص نفسها منهم، وها هي اليوم بعد مرور حوالي عام على معركتها معهم تعلن انتصارها على فكرهم التكفيري، فبعد المجزرة تركت قريتها “الشبكي”، وعاشت لدى أقاربها في مدينة السويداء، حيث تابعت تعليمها، كما تقول: “لم يكن العام الفائت عادياً، كان قاسياً بالقدر الذي جعلني أرى الحياة بمنظور آخر يبدأ من الدراسة وتحقيق حلم أمي التي كانت خسارتي لها فادحة”.
تستعد الجباعي لتحقيق حلمها بدخول الجامعة، رغم أنها لن تدخل كلية الطب كما كانت ترغب، حصلت على مجموع قدره 2150 علامة، وتؤكد أنها لم تدخر جهداً خلال أشهر الدراسة في مدرسة “عصام حرب” داخل السويداء.
الجباعي التي استطاعت ترميم جراحها، واستعادة عزيمتها، وتحجز لنفسها مقعداً بين متفوقي الشهادة الثانوية، ورغم الظروف الصعبة، والجرح الكبير، والتجربة القاسية التي مرت بها، إلا أنها بقليل من الأمل الذي كان يبرق بين سواد حياتها التي سببها إرهاب داعش، حيث فقدت كامل أسرتها، وبكثير من الصبر والإرادة حققت النجاح، تقول: “استطعت تجاوز ما حصل معي رغم الألم الكبير الذي عانيت منه، والتجربة القاسية التي مررت بها، ووضعت أمام عيني هدفاً وحيداً هو النجاح، وتحقيق حلم أمي بأن أكون طبيبة، حصلت على 219 علامة، وسأقوم بإكمال المواد لكي أصل إلى طموحي وحلم والدتي.
حنين التي زارت منزلها منذ أيام قليلة، المنزل الذي عاشت فيه مع أسرتها 17 عاماً، لم يبق لها فيه سوى جدران وخزان مياه بعد أن قتلوا كل أسرتها أمام عينيها، رسالتها اليوم أن الحياة لا تتوقف، وكلما امتلك الإنسان الإرادة والصبر يستطيع تجاوز المصاعب التي تواجهه مهما كانت شدتها، تقول: “أتمنى من كل سوري أن يخرج الحس الوطني الذي بداخله، ونستخدم ما نملك من قدرات للعودة بسوريتنا كما كانت، خاصة جيل الشباب فهو صوت الوطن ونبضه الذي عليه وفيه يبنى المستقبل.. الجباعي قدمت شكرها لبيت خالها الذي احتضنها بعد مصابها، وقدم لها كل العون والمساعدة.
توءم النجاح والمسؤولية
ليس بعيداً عن حديث المعاناة أن ثمة قصصاً تبرز من أبواب بعض البيوت وبين جدرانها، وفيها الكثير من المعاني التي تعبّر عن النجاح، ولكنه بنكهته الخاصة، وهذه المرة بنكهة تحمّل المسؤولية كما في قصة الشابين التوءم: تميم ورنيم حسان بدر الدين، حققا مجموع علامات في الثانوية العامة “الفرع العلمي”: تميم ٢٣٥,٩، رنيم ٢٣٤,٧ على الرغم من كونهما المعيلين الوحيدين لوالدتهما طريحة الفراش منذ خمس سنوات بسبب خطأ طبي، تمكنا من تحمّل المسؤولية بكل جدارة، والتنسيق بين متطلبات المنزل وأعبائه الكثيرة، والاعتناء بصحة والدتهما، والسهر على راحتها، والتوفيق بين كافة الواجبات وتحصيلهما العلمي، وكانت هذه النتيجة الباهرة الهدية الأعظم لأمهما الحنونة عندما شاهدا بريق الفخر في عينيها، يقولان: “إن مرض والدتهما جعلهما يشعران بالكثير من المسؤولية تجاهها، لكنه لم يثنهما عن متابعة تحقيق حلمهما في متابعة التحصيل العلمي، وقد يكون تفوقهما حصيلة تلك المسؤولية التي شعرا بها باكراً، ليس المهم الفرع الذي سيدخلانه، لكن المهم هو الاستمرار في النجاح لتستمر البسمة على وجه والدتهما.
الشهيد الحي
الشهيد الحي الكفيف طاهر هايل خداج من مواليد 8/12/1978 محافظة السويداء، نجح بالثانوية العامة بمجموع علامات ١٨٢٠ رغم إصابته البالغة التي تعرّض لها، حيث أصيب بتاريخ 21/7/2014 أثناء قتاله مع الحرس الجمهوري في درعا بانفجار لغم أرضي أدى إلى بتر كعب قدمه اليمنى، وانعدام الأعصاب فيها، وفقدان العين اليسرى، وتم تركيب عين زجاجية مكانها، إضافة إلى فقدان العين اليمنى، وإصابات وشظايا في اليد اليمنى، وأصبح غير قادر على الرؤيا بنسبة عجز 100%، ويستعين بالعصي للسير، متزوج ولديه طفلان لم يستطع رؤيتهما، ابتسامته وإصراره على العطاء رغم كل ما حصل له يجعلك تشعر أن النجاح لا شك حليفه، يقول: “إن الإرادة القوية تجعل الإنسان شجاعاً ومؤمناً، وتأخذه إلى طريق النجاح الذي يسعى إليه مهما كان صعباً وشاقاً.
وعند الطالب العسكري حسن كنعان كان الشعار البندقية في يد، والقلم في يد، هكذا يبنى الوطن، وبالتالي لم يثنه واجبه الوطني في أداء خدمة العلم عن متابعة تحصيله الدراسي ليحجز لنفسه مقعداً بين المتفوقين بمجموع قدره 2345 علامة.
يقول كنعان بأن لنجاحه نكهة خاصة، فهو ممزوج بعبق الشهادة التي ننتظرها يومياً، وأريج الورود التي تتفتح كلما ارتقى أحد رفاق السلاح شهيداً، ومع ذلك كان مصراً على متابعة تحصيله العلمي، فالوطن اليوم بحاجة لكل طاقاته.
المركز الأول
في السياق ذاته، حصل الطالب “قيس هيثم جربوع” على المركز الأول على مستوى القطر في امتحانات الشهادة الثانوية الفرع العلمي، بمجموع قدره 2896 علامة، وقد خسر أجزاء بسيطة من العلامة في الكيمياء، وهو اليوم يستعد لدراسة الهندسة التي يحبها، وليس الطب كما اعتاد الأوائل أن يدرسوا، يقول جربوع “للبعث”: أنا طالب في مدرسة المتفوقين الثانية اتبعت الدورات، ولم أنقطع عن ممارسة الرياضة، وعن أي من هواياتي، كنت متابعاً بشكل يومي للدروس، في المرحلة الإعدادية حصلت على المركز السادس على المحافظة، واليوم حققت حلمي بتفوقي على القطر، ويؤكد أنه طيلة أيام الدراسة لم ينقطع عن ممارسة هواياته وأهمها الرياضة، ولم يتلق دروساً خصوصية إلا بشكل بسيط جداً، وهو اليوم يشعر برضى كبير، ويقدم شكره لأهله ومدرّسيه، المركز الثاني على مستوى القطر ذهب أيضاً إلى محافظة السويداء، وكان من نصيب الطالب “فهد ماهر جمول”، و”سارة كرم الحلبي” اللذين حصلا على مجموع 2895 في الفرع العلمي، في حين حصلت ابنة السويداء “راما ناصر علبة” على المركز الأول على مستوى القطر بالثانوية الفرع الأدبي، بمجموع قدره 2735 علامة،
تقول علبة من مدرسة “زيد كرباج” في مدينة شهبا: الجميع يعرف صعوبة الفرع الأدبي، وطبيعة المواد، خسرت الجزء الأكبر من العلامات بمادة الفرنسي، وكنت واثقة من التفوق، أتمنى أن يكون لي نصيب في التفوق في المرحلة الجامعية، وفي مجال الإعلام كما أحلم، ولم تهمل علبة خلال العام الدراسي ممارسة هواياتها في المطالعة خصوصاً، وتؤكد أن التفوق يحتاج إلى تنظيم الأوقات، والتحلي بثقة عالية بالنفس.
مستقبل مشرق
هي بعض حالات التفوق والتميز وإن تعددت أشكالها ومواضعها واختلفت ظروف الوصول إليها، إلا أنها تشترك جميعها في الهدف ذاته وهو الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً، وبمقاربة ظروف التفوق تلك تبرز أهمية تقديم منح دراسية من قبل وزارة التربية للمتفوقين الذين مروا بظروف خاصة، ومنهم أبطال الجيش العربي السوري، أو من عانى من الحرب ومفرزاتها، فلا شك أن أمثال هؤلاء يستحقون مثل هذه المنح، وغيرها من المبادرات التي تقربهم أكثر من تحقيق طموحهم الذي نجده لا يبتعد كثيراً عن المستقبل المشرق الذي يسعى إليه كل الشرفاء في هذا الوطن.
رفعت الديك