ناجي العلي القامة التي لم تنحنِ
في ذاكرتنا ويقظتنا من يثب دوماً ليأخذنا إلى عوالم لم نكن قد دخلناها، إلى مساحات من نور لم نبصرها نحن المذبوحون بالصمت.
أربعون ألفاً، صاغها ناجي العلي غطّت مساحات الخيبة من المحيط إلى الخليج، وغطّت عيون العاطلين عن حب الوطن والأرض والقضية.
أربعون ألفاً في زمن الصمت والخوف والموت البطيء، اجتازت حدود النسيان. وبعودة سريعة لمحاكاة الزمن تأتي ذكرى ابن المخيم، والمعاناة والتشرد. ذكرى شهيد الموقف وابن مرحلة اختصرت مسافات طويلة للخروج من المأزق. فقد أراد أن يفعل شيئاً للقضية وهو ابن المخيم على أن يكون ذلك بلغته السياسية الخاصة، بعد أن اكتشف الرسم كأداة. ولم يكن هاجسه الفن التشكيلي، فتحقيق هذا الهاجس كان سيحققه في شيخوخته على حد تعبيره أو بعد تحرير فلسطين. وحتى إذا عادت فلسطين وبقي على قيد الحياة كان سيستمر في رسم الكاريكاتير، لأن حالة فلسطين موجودة في كل أنحاء العالم.
من أراد أن يقرأ تاريخ المعاناة فليقرأ رسوم هذا الفنان، فهو لم يرسمها لزمن محدد بل لكل الأزمنة، واخترع لنفسه أبجدية خاصة وقاموساً يخلو من تقييد الفكر. ولم ينضوِ ناجي تحت أية راية حزبية، وهذا ما أكده في قوله: (أنا شخص صعلوك وفالت، لا يمكن ضبطي حزبياً، وليس لحريتي سقف، وما زلت أحمل نفساً قومياً وإنسانياً وأؤمن بالاشتراكية، إلا أن أهم هاجس لديّ هو الديمقراطية. أنا مع الفقراء والضعفاء ضمن أية مواجهة أخلاقية سياسية.
ولد الشهيد ناجي سليم حسين العلي عام 1937 في قرية الشجرة قرب طبريا في فلسطين، منتمياً لأسرة فقيرة. نزح مع القافلة الأولى عام 1948، وبدأ طفولته في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان.
عمل في البساتين بسبب ظروفه التي منعته من متابعة دراسته الابتدائية، ومن ثم في الورش الصناعية بعد حصوله على الدبلوم في الميكانيك من طرابلس. وفي عام 1957 سافر إلى السعودية، وعاد عام 1959 إلى لبنان ليدخل أكاديمية الفنون التي تركها بسبب الملاحقات التي طالته.
في بداية الستينيات عمل في الكويت في صحف (القبس والطليعة والسياسة). وطُرد من الكويت تحت ضغط بعض الفلسطينيين هناك، فانتقل للعمل في (القبس الدولي) بلندن. وبتاريخ 22 تموز من عام 1987 وفي شارع إيفز بمدينة الضباب أصابته طلقات الغدر، ومكث في المشفى أكثر من شهر حيث استشهد يوم 29 آب 1987. بكت قريته الشجرة وبكى مخيم عين الحلوة وبكى كل الأوفياء لأن وصيته لم تنفذ بدفنه في تراب وطنه بل في جنوب لندن.
نَشَرَ أول عمل له في مجلة (الحرية) الشهيد غسان كنفاني، وكانت اللوحة تمثل خيمة على شكل هرم، وفي قمتها بركان ارتفعت منه يدٌ مصممة على النصر والتحرير.
أقام العديد من المعارض في سورية ولبنان والكويت والأردن وواشنطن ولندن.
أصدر ثلاثة كتب جمعت بعض رسومه، أعوام 1976، 1983، 1985.
رائد خليل