حوار هرمز فضح المستور
هل بدأت هالة الخوف التي تشكّلت في العقود الماضية إزاء الدول الغربية تتآكل في المنطقة فعلاً؟ أم أن الخوف الذي نتحدّث عنه لا وجود له إلا في أذهان بعض العملاء، وتناط بهم مهمة تسويق حالة الخوف والرعب من الآخر الغربي، الذي لا يجب أن يُرفض طلبه أبداً، وخاصة الولايات المتحدة، التي أوجدت لها خلال العقود الماضية ثلّة من المنبطحين الذين عملوا على تزيين صورتها والقول للشعوب: إن هذه الدولة لا طاقة لنا بها، ولا وجود لداوود الذي هزم طالوت، وأظهر أن الدعاية ليست سبيلاً أبداً لترسيخ منطق الهيمنة.
ففي حوار عضلات غريب تقيمه الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من شهرين مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشتى الوسائل إخضاع الشعب الإيراني، وإجباره على التنازل عن حقوقه في السيادة على أرضه وجوّه ومياهه الإقليمية، مستخدماً في سبيل ذلك قوى وأدوات متعدّدة دون جدوى، كان آخرها بريطانيا من خلال استفزاز إيران باحتجاز ناقلة النفط “غريس 1” في مضيق جبل طارق الذي تمّ الردّ عليه إيرانياً.
وفي حقيقة الأمر، ليس ما يغيظ الغرب، فيما فعلته إيران مؤخراً، هو أنها تتحدّاه بأكمله من خلال الردّ باحتجاز ناقلة نفط بريطانية، بل ما يغيظه هو أن إيران بتصرّفها هذا تفتح المجال أمام عدد غير محدود من الدول، التي ستتجرّأ على رفض الهيمنة الأمريكية والغربية على قرارها، وهذا بالضبط هو بيت القصيد الذي يحاول ترامب دائماً إخفاءه عند الحديث عن رغبته في التفاوض مع إيران أو كوريا الديمقراطية، فالتفاوض يستر خشيته الحقيقية من أن يتحوّل حديث هذه الدول عن النديّة في التعامل مع واشنطن إلى قانون تتبعه غيرها من الدول.
ولذلك حاول ترامب التخفيف من وقع إسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة على يد حرس الثورة الإيراني بشتى الوسائل لحفظ ماء وجهه، فلم يتمكّن من ذلك، إلى أن اضطرّ لإطلاق كذبته الكبرى بالقول: إن البحرية الأمريكية أسقطت مسيّرة كانت تصوّر حاملة طائرات أمريكية في مضيق هرمز، الأمر الذي فنّدته إيران بالصوت والصورة، وتحدّت واشنطن أن تقدّم الدلائل المادية على ذلك بالطريقة ذاتها، ولكنها عجزت، وهو ما زاد من إذلالها أمام العالم، وعندما حاولت استعادة ماء وجهها باستخدام بريطانيا تلقّت صفعة أقوى جعلت ترامب يتنصّل نهائياً من مسؤوليته عن حماية السفن البريطانية، معلناً أنه ليس شرطياً لحماية السفن البريطانية في المضيق.
جميع المحاولات الأمريكية والبريطانية لحفظ ماء الوجه باءت بالفشل، وحتى الكذب بالقول إن ذلك لم يكن ليحدث لو كانت ناقلة النفط البريطانية ترافقها قوات بحرية أسقطته طهران عندما كشف قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، أن قواته البحرية سحبت ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” باتجاه سواحل إيران من بين 5 بوارج حربية أمريكية وبريطانية، بالإضافة إلى عرض شريط مصوّر يثبت صحة الرواية الإيرانية، ويمعن في إذلال الأسطول البحري البريطاني بالكامل.
إذاً، تؤكد ردود الأفعال البريطانية والأمريكية على الأحداث الأخيرة التي وقعت في مضيق هرمز، أن الأخيرتين أصبحتا تخشيان على صورتهما في العالم التي تحطّمت بفعل عجزهما عن تنفيذ تهديداتهما إزاء إيران التي استطاعت أن تعمّم طريقة جديدة في التعاطي معهما، وهي أن الصورة النمطية التي رسمها الاستعمار الغربي لنفسه في الهيمنة والسيطرة بدأت تتآكل بظهور أقطاب جديدة في هذا العالم يمكنها أن تغيّر شيئاً في المعادلات الدولية القائمة، وإيران قطب أساسي من هذه الأقطاب.
طلال الزعبي