زواياصحيفة البعثمحليات

مالُنا السّليب..!

منذ أكثر من عامين وضعت الحكومة ملفّ القروض المتعثّرة على طاولة الجديّة، وشكّلت لهذه الغاية لجنة مركزيّة، تفرّعت عنها عدّة لجان؛ مهمّتها دراسة ملفّ القروض المتعثّرة لدى المصارف العامّة، تمخّضت حتّى الآن عن تحصيل نحو 182 مليار ليرة، حسب وزير العدل الذي لفت إلى أنّ الملفّات التّنفيذيّة لهذه القروض مختلفة القيمة، وعددها يربو على 23 ألف ملفّ تنفيذيّ، تتمّ معالجتها قضائيّاً وفق القانون.
ولا بُدّ ههنا من قراءةٍ متأنيّة لما كشف عنه وزير العدل، للوقوف على بعض خفايا واقعنا الإداري العام، والقضائي؛ لاستنباط خلاصاتٍ مكثّفة؛ عن واقع تراخينا وتلكّؤنا في التّصدي لواجباتنا الوظيفيّة العامّة!.
إذ كشف الوزير من خلال رحلة الألف ميل في ملف القروض المتعثرة؛ عن وجود ثلاثة مستويات للمعوّقات التي تعترض عملية التّحصيل؛ أوّلها عوائق المصارف المتمثّلة بضعف المتابعة والإجراءات القانونيّة، وتراخي بعض محامي المصارف وإهمالهم، إضافة إلى قلّة الخبرة لدى وكلاء المصارف، التي كانت تسبّب العديد من الإشكاليات، فضلاً عن عدم الكفاءة في تأسيس الدّعاوى المصرفيّة والملفات التّنفيذية، الأمر الذي انعكس سلباً على الخزينة لجهة عدم تحصيل حقّها.
تليها المعوّقات الإدارية في الجهات العامة ذات الصّلة، والتي تجسّدت تأخّراً ناجماً عن عمل بعض الجهات العامة كالدّوائر العقارية، التي كانت تتأخر في وضع إشارات الحجز التّنفيذي اللازم، وكذا في الدّوائر المالية، التي كانت تتأخر أيضاً في إصدار الشهادة الضّريبية المطلوبة.
ومن ثمّ معوّقات القضاء التي تجلّت بتأجيل إجراءات التبليغ التي كانت تعوق الكثير من القضايا المتعلقة بإجراءات وقف التنفيذ وإعادة الدعاوى من جديد، كما كانت بعض المحاكم تضع منع سفر، لترفعه محكمة أخرى، فانعكس ذلك على زيادة القروض المتعثّرة. وكذا إبطال جلسة المزادات، ونقص بيانات الإعلان عن المزاد، وقرارات منع السفر ووقف التّنفيذ، كلها قضايا تمّت معالجتها في القضاء، حتى موضوع التّبليغ -الذي كان باب مماطلة وتأجيل- تمّ اعتماده على لوحة الإعلانات بناءً على نصّ قانوني.
وإذ ترنو أبصار الجمهور إلى نهاياتٍ جريئة في مقاربة هذا الملف؛ فإنّها ما لبثت شاخصةً تنتظر معالجةً حازمةً وحاسمة لملفّي التّهرّب الضّريبي والجمركي؛ واللّذين لا يقلّان عنه أهميّة بأرقامهما الفلكية التي تزيد على 600 مليار ليرة.
لنذكّر وزير ماليتنا الذي خرج عن صمته منذ ثلاثة أعوام ليطالعنا بالقول: (إنّ ثمّة إشكاليات تعود إلى أنّ القوانين الضّريبيّة مثيرة للجدل! وبعضها غير واضح)؟!!.
بينما لم يزل الوزير “يتهرّب” من الإجابة عن: حجم التّهرب الضّريبي ولاسيّما من بعض المُصنّفين ضمن قائمة كبار المُكلّفين، مكتفياً بالقول: (إنّه من الصّعب الآن تقدير حجم التّهرّب الضّريبي)، مُعلّلاً: (عند معرفة الرّبح الحقيقي للمُكلّفين لا يعود هناك عذر للوزارة في عدم تحقيق الضّريبة وتحصيلها).
لنعود ونستذكر بعد مضيّ ثلاثة أعوام: بؤس هذه الإجابات ، ولا مسؤوليتها، وإثارتها للرّيبة والشّفقة بآنٍ معاً، لاستخفافها بعقل الجمهور!!.
ولنكرّر القول: إلى متى سيبقى مال الضّريبة داشراً وسليباً والتّحصيل الضّريبيّ خارج سقوف المساءلة؟ وهل ينتظر وزير ماليتنا من وزارة الثّقافة أو الأوقاف مثلاً؛ تقدير حجم التّهرّب الضّريبي في وزارته، ومعرفة الرّبح الحقيقي للمُكلّفين؛ ليُصار بعدها إلى تحصيل عائداته الضّريبيّة؟!.
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com