صحيفة البعثمحليات

تقارير عالية الجودة..!

غسان فطوم             

مع حلول الشهر الأخير من كلّ عام، تتسابق المؤسّسات الإنتاجية، على اختلاف أنواعها، بإعداد تقارير أنيقة عن حصيلة إنتاجها السنوي، والملاحظ أن أغلبها متخمٌ بأرقام إيجابية تزينها الرسوم الملونة والبيانات التي تتغنّى بجودة المخرجات كماً ونوعاً. والملاحظ أيضاً أن أغلبها نادراً ما يشير إلى وجود خلل ما، أو مشكلة تسبّبت في إعاقة الإنتاج، علماً أن بعض تلك المؤسّسات قد يكون طوال العام موضع انتقاد الإعلام، سواء لجهة الإنتاج الضعيف أو بسبب الترهل الإداري الواضح للعيان. والغريب فيما يخصّ هذه التقارير النمطية المجترة كلّ عام، وكأنها نسخة طبق الأصل، أن صانعي القرار يعتمدونها على “ذمة معديها” دون تدقيق، ويستندون عليها في رسم وإعداد السياسات والخطط القصيرة منها والمتوسطة وحتى الإستراتيجية، ما يعني بالنتيجة مشاريع خاسرة ومتعثرة، اقتصادية كانت أم في مجال خدمات الصحة والتعليم والتربية وغيرها من القطاعات، بالإضافة إلى ما يتعلق بفشل التخطيط لفرص التشغيل والاستثمار الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية، في وقت نحن بأمسّ الحاجة إلى اتخاذ قرارات صائبة مبنية على معطيات صحيحة تتيح الفرص لابتكار حلول ناجعة وخدمات جيدة ومنتجات جديدة تنشلنا من أزماتنا ذات العيار الثقيل، وأبرزها التضخم المخيف وجنون الأسعار غير المسبوق، والسؤال: هل اعتدنا على مثل تلك التقارير وأصبحت أمراً واقعاً لا حاجة لتغييره رغم آثارها الكارثية؟!

نأمل أن يكون ما أشرنا إليه موضع نقاش جديّ على مائدة الاجتماع الأسبوعي الموسّع للحكومة، وأن تُتخذ إجراءات وعقوبات رادعة بحق كل إدارة تُخرج من تحت عباءتها تلك التقارير المزوّرة، فكشفها وتعريتها هو أهم من أي موضوع آخر كون مخرجاتها تمثل النواة التي تبنى عليها كل الخطط التنموية التي نتغنى بها!

بالمختصر.. وحتى لا نقع في مطب المشاريع الفاشلة، ينبغي اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة، أولها مساءلة ومحاسبة من يُعدّون تلك التقارير ذات المقاس الواحد، والتي تورّطنا بإنتاج برامج وخطط اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية وثقافية متأرجحة على الميلين، وندفع ثمنها اليوم ولاحقاً على شكل خسائر مالية جسيمة لا يمكن تعويضها بسهولة. فاليوم وضعنا الاقتصادي المعقد جداً والتائه والمجهول الهوية لا يحتمل أي انزلاق.. ألا يكفينا ما عانيناه، وما زلنا، من فشل اقتصادي مؤلم دون محاولات حقيقية لإيجاد حلول تُخفّف من آلامه المبرحة، ولاسيما في الشق المعيشي؟!!