صحيفة البعثمحليات

“أدلة “الموظف والمواطن طي النسيان.. والتوصيات الرنانة نجحت لغوياً وفشلت تطبيقياً

دمشق – ريم ربيع

لم تنجح توصيات وعناوين المؤتمرات يوماً بالخروج من إطارها الشكلي المرهون بكلمات جذابة وأفكار ورؤى صعبة المنال، ومع اعتراف البعض بأن الوقت المستغرق في تشذيب العناوين والتوصيات يتجاوز في بعض الأحيان وقت تحضير المؤتمر.. يمكن لنا التأكد مسبقاً من عبثية كل ما سيرد من حوارات وخطابات رنانة طالما أنها لم تنل الجدية الكافية في التحضير، فبالرجوع إلى توصيات بعض المؤتمرات التي تعود لأكثر من عشرة أعوام وجدنا أنها ما تزال تتكرر حتى هذا اليوم بصياغات مختلفة تلائم واقع كل مرحلة.

في آخر مؤتمرات وزارة العدل التي ارتأت فيها الخروج عن المألوف والتوجه للموظفين والكتاب بالعدل تحت عنوان “تبسيط الإجراءات حق وواجب في عملية تحديث الإدارة القضائية”، أكدت الوزارة حينها أن المؤتمر خرج بتوصيات منطقية قابلة للتنفيذ، كان أكثرها عجلة إنجاز أدلة عمل موحدة للموظفين في كافة عدليات القطر خلال شهر ونصف من تاريخ المؤتمر المقام في شباط 2019، وتصميم دليل استرشادي للمواطن يوجهه فيما يحتاج عبر “كوة العلاقة مع المواطن” خلال شهرين كحد أقصى، واخترنا تلك التوصيتين تحديداً دون باقي التوصيات لكونهما محددتين بجدول زمني، وتوجهنا بالسؤال لأكثر من شهرين متواصلين لوزارة العدل عن مصير تلك الأدلة الملحّة التي يحتاجها القضاء اليوم بشدة كخطوة أولية في تبسيط الإجراءات التي يندرج تحتها عنوان المؤتمر، إلا أن الجواب كان في كل مرة التأجيل وحسب، وبعد مضي خمسة أشهر على المؤتمر لسنا بحاجة إلى جواب رسمي لإدراك استمرارية الواقع على ما هو عليه، فالمواطن مازال تائهاً في تشابكات المحاكم والموظفين “كل يغني على ليلاه”، رغم أن الحديث هنا عن سلطة قضائية محررة من تعقيدات الأخرى التنفيذية وتتمتع بمرونة أكبر.

قد تكون “العدل” نجحت في اللغة، فالعناوين البراقة للمؤتمرات القضائية كافة تحمل في طياتها الكثير من الإتقان المحمّل بجرعات تفاؤل عالية، إلا أن اللغة وحدها لا يمكن أن تنقذ ما أفسدته سنوات من التراكم والإهمال في أهم المفاصل القضائية، فرغم وجود بند تسريع الإجراءات في جميع توصيات المؤتمرات القضائية ما تزال مئات الدعاوى عالقة في المحاكم من عشرات السنين حتى اليوم، فيما تدفعنا التوصيات الأفلاطونية في كل مرة للتساؤل عن مدى إدراك القائمين عليها لواقع القضاء اليوم، واستحالة تطبيق بعض الاقتراحات، إلا إذا كان الهدف من كلمة توصيات برأي البعض أن تترك للأجيال القادمة ليتم تطبيقها وليس الجيل الحالي.

الحديث هنا لا ينطبق على وزارة العدل وحسب، بل يمكن تعميمه على جميع القطاعات المهتمة بالمظهر أكثر من المضمون، والتي لاحظ منظموها أن توصيات المؤتمرات تلاقي الكثير من الانتقادات لعدم تطبيقها، فكان جل ما فعلوه التنويه إلى ضرورة الخروج بتوصيات “واقعية” يمكن تطبيقها، وإضافة هذه العبارة إلى كل تصريحاتهم علّها توحي ببعض المصداقية المفقودة.