الرقم الخاسر؟!
التدقيق في التصريحات المتتالية عما يسمونها نقلة نوعية على صعيد الأداء المؤسساتي والإنتاجي، يكشف عن تشابه أو اقتران فظيع مع أحلام جزيرة الكنز أو الخيال العلمي، الذي بات الحالة الأكثر واقعية في العمل الوزاري والحاضر الأول في الأحاديث الوزارية والمراسلات الورقية المجيرة من عام إلى آخر، فعلى سبيل المثال نقارن بين التصريح الذي يدعي أن الكثير من المنتجات السورية يتم تصديرها للأسواق الخارجية، مثل المنتجات الزراعية والصناعات النسيجية والصناعات الكيميائية وبكميات مدروسة تساعد على تصريف المنتج وعدم كساده، وتحافظ على عدم ارتفاع الأسعار محلياً.. وبين واقع هذه القطاعات من الناحية الإنتاجية والتسويقية والتحديات التي تهدد استمرارها ووجودها على الخارطة الاقتصادية، وهذا المقارنة يمكن إسقاطها أيضاً على العائدية الفعلية والانعكاسات المعيشية والاقتصادية لـ١٠ آلاف مشروع خدمي وتنموي عملت عليها الحكومة “كما صرحت” خلال السنوات الثلاث الماضية بقيمة ٨٠٠ مليار ليرة تبدأ من مشروع صغير بقيمة ٥ ملايين ليرة، وتنتهي بمشروع كبير بقيمة ١٧ مليار ليرة.
باختصار لا يؤشر تعدد الأرقام إلى حالة إنتاجية سليمة أو إلى أداء تفاعلي حقيقي مع المستجدات دون النظر إلى الحصيلة الاستثمارية والإنتاجية التي يمكن من خلالها فقط تجسيد مفاهيم الإنتاجية، وهنا لابد من وقفة مطولة مع المراحل والإجراءات التي تمت إلى الآن لترجمتها إلى حقائق مجسدة على أرض الواقع في جميع القطاعات، وذلك لناحية زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وخفض أسعار المنتجات، وانعكاس ذلك كله على الدخل الوطني والمقدرة الشرائية والدورة الاقتصادية بحلقاتها المختلفة “المنتج والعامل والمستهلك”، ولاشك أن مفهوم زيادة الإنتاجية لا يقتصر على مجرد الإنتاج وتنمية الثروة الوطنية، وإنما يتسع المفهوم حتى يشتمل أموراً كثيرة، مثل زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة وتنشيط كافة مجالات التطوير والإبداع والنهوض بالمجتمع في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقود في النهاية إلى الواقعية الرقمية التي وللأسف مازالت مفقودة أو ضائعة في ركام التكرار.
وما يجب الاعتراف أو الانتباه له بالاستناد إلى المعطيات والأرقام.. أن الحديث عن الإنتاجية يتخذ شكلاً من أشكال السخرية في الأوساط الاقتصادية والشعبية خاصة أن المعادلات الحسابية أو نتائج العائدية الربحية تبقى دون انعكاسات فعلية على حياة المواطن، أي إنها معادلات مستحيلة الحل. فهل هذه النتيجة صحيحة أم أن الواقع يقول عكس ذلك؟ وهل حقاً ما يطبق لدينا في هذا الاتجاه هو إنتاجية حقيقية، أم أنه شبيه بالإنتاجية كما يتراءى للذين يروجون لتكهناتهم الشخصية، خاصة أن “التكهن” حالة تنتاب البعض تحت تسمية الحاسة السادسة والتي تمنحهم قدرات خارقة لقراءة مسارات العديد من الأحداث ومعرفة نهاياتها التي تندرج تحت مسمى علم الغيب الذي سجن حياة الناس في أقفاص ما يمكن أن نسميه “الانفصام الاقتصادي” الذي طالب منذ أيام الموظف بعدم سحب راتبه دفعة واحدة، وما يؤلم أن يكون المواطن الرقم الخاسر في السياسات الاقتصادية التي وضعت على أساس قاعدة بيانات رقمية لبلد آخر، أو وفق خارطة جزيرة الكنز التي لا يفهم مؤشراتها ودلالاتها الاقتصادية والمعيشية إلا……؟!
بشير فرزان