ما الجديد في العملية السياسية؟
رحّبت الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بإقرار لجنة مناقشة الدستور الذي كانت الجمهورية العربية السورية والدول الضامنة لمحادثات أستانة قد عدّته إنجازاً، ومبعث أمل وتفاؤل، في الوقت الذي ربط فيه السيد الرئيس بشار الأسد نجاح عمل اللجنة ووصولها إلى نتائج مفيدة بعدم تدخّل الأطراف الخارجية.
لا شك في أن إقرار اللجنة والإعلان عنها إنجاز حققته القيادة السورية التي واصلت جهودها ومتابعتها في هذا المجال منذ قرابة سنتين ومن قبل لقاء سوتشي على الرغم من الضغوط الخارجية لعرقلة تشكيل اللجنة.
لكن، ليست اللجنة الدستورية كل شيء، وهي لا تختزل الحل السياسي الذي دعت إليه، وانتصرت له القيادة السورية منذ الأسابيع، بل الأيام، الأولى للعدوان على سورية، ويجب أن نتذكر دائماً، وللحقيقة والتاريخ، الإجراءات الدستورية، والقانونية، والتنفيذية، ومراسيم العفو، ولجان المصالحة، والحوار الوطني الذي سبق ورافق إقرار الدستور الجديد عام 2012، ومشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، واللقاءات والحوارات العديدة والطويلة والمتواصلة التي تجشّم عناءها سيادة الرئيس بشار الأسد مع كافة الشرائح من المحافظات، ومع الأحزاب والمنظمات والنقابات، والجماعات، والأفراد … إلخ منذ بداية العدوان، والتي كانت جميعها انحيازاً واضحاً إلى الحل السياسي.
إذاً، إن إقرار لجنة مناقشة الدستور جزء من المسار السياسي الطويل لحل الأزمة، وحين نعتبره إنجازاً يكون من الواجب علينا أن نرى فيه ثوابت ستستمر لأننا أكدنا عليها طوال سني الأزمة، لأن هذا الإقرار مرتبط بتوجهات وطنية راسخة قبل اللجنة، ومعها، وبعدها، ومنها:
< تحرير كل شبر من أرضنا من الإرهاب.
< الانطلاق من أن الجمهورية العربية السورية دولة ذات سيادة وصاحبة قرار.
< المسار السياسي بخطواته كافة ومنها تشكيل اللجنة لا يتعارض أبداً مع مواصلة العمل الميداني لمحاربة الإرهاب انطلاقاً من السيادة، ومن ميثاق الأمم المتحدة، ومن القانون الدولي، ومن القرارات الأممية ذات الصلة.
< التأكيد على أن الأطراف الأخرى كانت مجرد أداة للخارج، وعليها ألا تبقى كذلك، وإلا ما الفائدة من المسار السياسي كلّه بما فيه المتوخّى من اللجنة إذا بقيت هذه الأطراف ترزح تحت وطأة الإملاءات الخارجية المناهضة للثوابت الوطنية ولمصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة.
وإذا كنا نتطلع إلى الجديد كإنجاز وطني من هذه اللجنة، فإن أي إنجاز لصالح الوطن والشعب في العملية السياسية بكافة جوانبها هو بالدرجة الأولى نتيجة: للصمود -وللانتصارات -وللتضحيات التاريخية الكبيرة -ولرغبتنا في الحل السياسي وانحيازنا إليه منذ البداية.. ما يجعل هذه الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة أهم وأقوى وأكثر رسوخاً من قرار تشكيل اللجنة.
وعليه فإن من يراهن على التدخل في عمل اللجنة، وعلى وضع عراقيل أمامها، وعلى أن التضحيات والبطولات ودماء الأطهار البررة ستكون رخيصة، سيكون رهانه خاسراً، لأننا نملك القناعة الراسخة بأن إقرار اللجنة ترافق مع التأكد من أن “الولايات المتحدة والغرب فقدوا أملهم بتحقيق أهدافهم التي خططوا لها سابقاً، وما يحدث الآن هو لعبة استنزاف للموارد”، كما أوضح سيادة الرئيس.
فما بين الجديد، واللا جديد في المسار السياسي تسطع تطلعات الشعب السوري إلى هزيمة الإرهاب عصابات، وداعمين، وممولين، وإلى تحقيق مسيرة البناء المعنوية والمادية، وإلى الثوابت الوطنية المشروعة والراسخة للجمهورية العربية السورية والتي لطالما كانت ولا زالت وستبقى تربط الأمن الوطني بالأمن القومي العربي، وتنطلق من الإيمان بالمشروع وبالفكر القومي العربي، وبأن التحدي الرئيسي الذي يواجهه هو المشروع الصهيوني في زمن تعمل فيه عدد من الأنظمة العربية، وللأسف، على محاربة محور مقاومة المشروع الصهيوني.
ولذلك فإن الأطراف الأخرى في لجنة مناقشة الدستور ستكون أمام مصاعب أسئلة الوطن، والأمة، والمصير المشترك، والضمير الذي لن يرحمها إذا ما واصلت رهانها على الأعداء التاريخيين للشعب وللوطن وللأمة.
فما تزال أغلبية الشعب السوري قوى وطنية متماسكة أحزاباً، ومنظمات، ونقابات، واتحادات، ومجتمعاً أهلياً تقف راسخةً واثقةً بقائدها وبشعبها وجيشها.
د. عبد اللطيف عمران