التحوّل من الدعم الاستهلاكي إلى الدعم الاستثماري
مازالت المبالغ المالية المخصصة للدّعم تشكل جزءاً كبيراً من الميزانية العامة منذ سنوات عديدة، وما زال عدد غفير من الاقتصاديين ورجالات السياسة والإعلام يقدِّمون الكثير من الرؤى التي تظهر، وتؤكد أن الكثير من هذا الدّعم يذهب في غير محله، فجزء غير قليل منه لا يذهب لمواطنين يحتاجونه أو يستحقونه لتخفيف ما هم به من فاقة، بل يذهب لميسورين، هم في غنى عنه، أو لأغنياء لزيادة ما هم فيه من ترف وبذخ، بل وبعضه يذهب لغرباء مقيمين أو عابرين، وبعض هؤلاء الغرباء من الذين يريدون شراً بوطننا ومواطنيه، وكل ذلك واضح جلي، ولا ينكره من له عين تبصِر وعقل يفكر، ما يستوجب إعادة النظر، لكي يكون الدعم داعماً فعلياً عندما يكون في محله، لا أن يكون معدَماً، عندما يكون لمن لا يحتاجه أو لا يستحقه، أو يكون مسيئاً أو معدِماً عندما ينجم عنه إساءة إلى الوطن، إذ كثيراً ما ثبت دوره المسيء والمعدِم للاقتصاد الوطني من خلال تهريب المادة المدعومة إلى خارج القطر، أو استعمالها من الذين يكيدون به من داخله أومن وراء الحدود، ومواد المحروقات دليل على ذلك، ويبقى التساؤل المشروع على لسان الكثيرين؟ لماذا لم تعمل السلطات المعنية المتعاقبة لمعالجة ذلك خلال العقود الماضية بيسْرِها، ولا خلال السنوات الماضية بعسْرِها.
مدعاة للسرور أن حكومتنا الجديدة تَعِد على لسان رئيسها الوقور “الدكتور وائل الحلقي”، ” حسبما جاء في خاتمة حديثه المنشور في الصحافة، أنها ستعمل على معالجة الدعم باتجاه تصويب مساراته من منطلق التحوّل من الدعم الشمولي إلى الدعم الانتقائي، حيث يقول سيادته: “إن تقديم الدولة للدّعم بشكله الحالي يؤدي إلى زيادة العبء على الموازنة العامة، وبالأخص في الظروف الحالية لقلة الموارد، إضافة إلى حدوث خلل بتكاليف الخدمات والعائدات المقدمة للمواطنين، وطالما أن الدولة تتحمل هذا العبء لابد من وضع دراسة وقاعدة بيانات وإحصائيات لإيصال الدعم إلى مستحقيه، من خلال التركيز على الطبقات الفقيرة، ومتوسطي الدخل، أي عقلنة الدعم”، ويستعرض– شارحاً وموضحاً- الفوائد العديدة التي ستتحقق جراء هذه العقلنة.
حقيقة الأمر أن تقديم الدعم بشكله الحالي وأشكاله السابقة – أيضاً – أرهق الموازنة العامة سابقاً وحالياً، وينعكس عليها لاحقاً، ومن حق المتابع أن يتساءل لماذا لم تستفق الحكومات المتعاقبة على ضرورة تنفيذ هذه العقلنة قبل عقود، أو خلال سنين ظروفنا السيئة هذه، ولو تدريجياً، وهل يليق ببلد كبلدنا أن تنطبق عليه مقولة “الاستفاقة بعد الفاقة”، وهنا قد ينتفض البعض قائلاً لا حاجة لمزيد من جلد الذات، متجاهلاً أنه من الخطأ الكبير أن نبقى على ذات الجلد، بل المطلوب أن نسلخ جلدنا كلياً، لا أن نكتفي بجلده، وأن نعتمد العقلنة في كل شيء وليس في مسألة الدّعم فقط.
فالأمل معقود على أن تترجم الوعود والطموحات إلى ممارسات، وحقيقة الأمر أن الدّعم الذي يكون في محله هو استثمار وليس إنفاق، والدّعم الذي في غير محله هو إهلاك وليس استهلاك، وبالتالي- بعد الإذن من السيد الحلقي- أرى من الأفضل أن نقول: الانتقال من الدعم الاستهلاكي إلى الدعم الاستثماري، إذ قد يرى البعض في عبارة الدعم الانتقائي إجحافاً، رغم وضوح القصد، وهذا يتطلب أن نبقِي على نسبة وقيمة مبالغ الدَّعم الحالية، بحيث نوجّه ما كان في غير محله، لإقامة مواطن عمل أو تأمين بنى تحتية وتسهيلات تؤسس لإمكانات فرص عمل، لشريحة كبيرة من الذين يشكون من البطالة بدلاً من منحهم معونات، من منطلق “علّمه صيد السمك بدلاً من أن تعطيه سمكة”.
حبذا لو تسارع رئاسة مجلس الوزراء لوضع الشعار موضع التطبيق، وتعمل لتكليف وزارة التنمية الإدارية البدء بالإعداد لمشروع إدارة الدعم من استهلاكي إلى استثماري، كباكورة نشاط لها، والتي عليها أن تنسق مع متخصصين في الإدارة والاقتصاد، في الإدارات العامة والخاصة، ومن جمعية العلوم الاقتصادية السورية وخارجها، لتقديم رؤاهم بذلك، شريطة الاستغناء عما يسمى خبرات أجنبية، لأن كثيراً منها تخريبات أجنبية، على أن يتم تحضير وإقرار واعتماد مشروع إعادة توزيع الدعم خلال أشهر من تاريخه، وليس خلال سنوات.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية