دراساتصحيفة البعث

أنهوا الحرب الاقتصادية على إيران

ترجمة: علاء العطار

عن “ذي أميريكان كونزيرفاتيف” 27/9/2019

بعد العديد من الصفعات التي تلقتها الولايات المتحدة من إيران، أشدّها كان رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، تراها تحاول الحفاظ على كبريائها في زيادة شدة العقوبات آملة إخضاع إيران دون أن تحصد ثماراً، بل زادت بذلك من شناعة الصورة التي ترسمها لنفسها.

يلفت ديريك دافيسون الانتباه إلى آثار الحرب الاقتصادية على إيران: “نظراً لأن الولايات المتحدة تتمتّع بالسلطة –عبر سيطرتها الفعّالة على الشبكات المالية الدولية- لتفرض عقوبات على أفراد وشركات أجنبية، وكذلك على أفراد وشركات أمريكية، بحجة تعاملهم التجاري مع إيران، فقد بلغت حملة “الضغط الأقصى” للإدارة حدّ الحصار الاقتصادي، ويُعدّ الحصار الاقتصادي شكلاً من أشكال الحرب بموجب القانون الدولي.

كما أن تأثير هذه الحملة أقرب إلى تأثير الحرب، قد لا تكون الصواريخ تضرب المدن الإيرانية، ولم يرسُ الجنود الأمريكيون على الشواطئ الإيرانية حتى اللحظة، لكن الشعب الإيراني يعاني الأمرّين بفعل الافتقار للاحتياجات الإنسانية الأساسية كالدواء والغذاء، وتواصل إدارة ترامب التأكيد على أن عقوباتها لا تستهدف هذه السلع الإنسانية، بل إن أثرها العملي كان منع التمويل الذي سيحتاجه المستوردون الإيرانيون لدفع ثمن استيراد هذه المواد الأساسية، ورغم التحذيرات المتكرّرة بشأن تأثير هذه العقوبات على الشعب الإيراني، تواصل الإدارة بخبثٍ جعل حياتهم أكثر صعوبة”.

لدى الولايات المتحدة القدرة على إلحاق ضرر اقتصادي هائل بالدول الصغيرة إن شاءت، ومنذ أكثر من عام تشنّ الولايات المتحدة حرباً اقتصادية متصاعدة على إيران دون أي شفقة، وأول ضحايا تلك الحرب هم المعدمون والمستضعفون والمرضى الذين يحتاجون أدوية متطورة ونادرة، ويعاني جميع السكان من العوز وارتفاع الأسعار، وتضع سياستنا بلداً يزيد عدد سكانه عن ثمانين مليون نسمة تحت الحصار، ثم تتصنّع الإدارة الدهشة عندما تردّ الحكومة الإيرانية على هذا العدوان!. إن خنق بلد اقتصادياً ليس بديلاً عن الحرب، بل هو الحرب بعينها، وترامب هو المسؤول عن إشعال نارها، وهي تلحق الدمار والموت بطرق أقل وضوحاً، لكنها تبقى عملاً عدوانياً.

توضح أحدث العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب وجهة نظر دافيسون، ففي حين فرضت عقوبات على البنك المركزي الإيراني قبلاً، وضعت إعفاءات لتسهيل التجارة لأغراض إنسانية، لكن الإجراءات الجديدة تدمّر هذه الإعفاءات بفعالية، يشرح تيلير كوليس ذلك بقوله:

“أدركت الإدارات المتعاقبة، ومعها الكونغرس، أهمية البنك المركزي الإيراني في التجارة لأغراض إنسانية، لذلك عندما فرض الكونغرس عقوباتِ التراسل وحسابات تمرير المدفوعات على البنوك الأجنبية التي تجري تعاملات مالية كبيرة مع البنك المركزي الإيراني، وضعت إعفاءً عريضاً على التعاملات المتعلقة ببيع السلع الزراعية والغذاء والدواء أو الأجهزة الطبية لإيران، وللسبب نفسه ضمنت إدارة أوباما بقاء هذه الإعفاءات الإنسانية عندما أصدرت لائحة العقوبات المالية على إيران، مصنّفة هذه الإعفاءات الإنسانية ضمنها، وحتى إدارة ترامب –بعد أن أعادت فرض العقوبات على إيران وأصدرت الأمر التنفيذي رقم 13846- نشرت أسئلة يتكرّر طرحها موضحة أن التعاملات المتعلقة بالأغراض الإنسانية التي يقوم بها البنك المركزي الإيراني ليست خاضعة للعقوبات. أزيلت هذه الإعفاءات بفعل العقوبات الجديدة، وقد يتمّ الآن عزل البنوك الأجنبية التي تقيم تعاملات إنسانية مع البنك المركزي الإيراني عن النظام المالي الأمريكي، كما لا يوجد استثناء إنساني مشابه للبنوك الإيرانية التي تمّ تصنيفها ضمن لائحة الإرهاب”.

سيحاول مؤيدو الحرب الاقتصادية في كثير من الأحيان الاختباء خلف الإعفاءات الإنسانية ليدّعوا أن سياستهم لا تستهدف الشعب الإيراني، لم يثق أحد بذلك سابقاً، وهو أمر يتعذر تبريره الآن، فالعديد من الأمريكيين اعتادوا أن يروا حكومتهم تفرض عقوبات هنا وهناك في جميع أنحاء المعمورة، دون أن تسجّل مدى الأذى الذي يحمله هذا السلوك، وإن أردنا اتباع سياسة خارجية تروم السلام، فهذا يعني نبذ هذه الأسلحة البغيضة المتمثّلة بالعقاب الجماعي لأناس أبرياء، علينا أن ندرك أن السعي إلى خنق دولة أخرى لتخضع ما هو إلا إساءة استخدام للسلطة التي تتمتّع بها حكومتنا، لذا يجب إنهاء الحرب الاقتصادية بأسرع ما أمكن، وعندها فقط سيُفتح مجال للدبلوماسية الحقيقيّة.