دراساتصحيفة البعث

الإرهاب وتجذير التطرف

إعداد: علاء العطار

يعدّ الإرهاب أحد أكثر التهديدات فظاعة على مستوى العالم، والمشكلة تكمن في عدم وجود نموذج مشترك بين الآليات الكامنة وراء عملية التطرف المعقدة، كما أن الافتقار للبيانات التجريبية يقوّض عملية البحث، لذا تهدف هذه الدراسة إلى تكوين نموذج شامل عن التطرف واختباره بشكل تجريبي في جمع بيانات عن التطرف في أوروبا الغربية وتحليلها.

تتشعّب الدراسة إلى قسمين، في القسم الأول، قام الخبراء في الشرطة بتقييم خمسة وسبعين شخصاً في طور التطرف قيد التحقيق، ويُعنى القسم الثاني بتقييم بيانات جُمعت من مقالات إخبارية مفتوحة المصدر عن ستة وثمانين متطرفاً، وقام بهذا التقييم مجموعة من علماء النفس.

وكانت الدراسة تجد باستمرار شروطاً فردية مسبقة بين المتطرفين، كان من ضمنها السن الغضّ ونوع الجنس (الذكور) وخلفية الهجرة والانقطاع في السيرة الذاتية، ولوحظ خلال عملية تجذير التطرف زيادة تدريجية في العمليات الفردية والجماعية والتحفيزية من بداية القسم الأول من الدراسة وصولاً إلى مراحل متأخرة في القسم الثاني، وشملت تلبية الاحتياجات الفردية (التفوق، والأهمية، واحترام الذات، والتوجيه)، وعمليات في إطار التزام جماعي متين (هوية المجموعة، والإجحاف، والاستقطاب، والتهديدات المتصورة في مخيلة المجموعة، والمشاعر الجمعية، والتأثر بالإعلام)، والتكيّف العقلي للحصول على راحة متنامية عند تنفيذ أعمال العنف (إضعاف المشاعر الحساسة، التجريد من الصفات الإنسانية).

أمسى الإرهاب خلال الأعوام الماضية تهديداً كبيراً في أوروبا، وكانت بعض المدن الأوروبية أهدافاً لهجمات إرهابية متكررة راح ضحيتها مدنيون، أمثال باريس وبرلين ولندن، ففي عام 2016 وحده قُتل 135 شخصاً بفعل ثلاثة عشر هجوماً على الأراضي الأوروبية، لذا طفا إلى السطح في أعقاب هذه الهجمات سؤالان مهمان هما: ما هي الأسباب التي دفعت أولئك الأشخاص لأن يمسوا إرهابيين؟ وما الذي يمكن فعله لإيقاف ذلك؟ وللإجابة عنهما يجب أن نولي التركيز لمفهوم تجذير التطرف.

يمكن فهم مصطلحي الإرهاب وتجذير التطرف على امتداد مسار متصل يكون فيه التطرف السبيل المؤدي إلى الإرهاب ويكون الإرهاب النقطة النهائية للتعبير العنيف، بعبارة أخرى، يمرّ المتطرفون بعملية محدّدة تبدأ بانفتاح إدراكي وتنتهي بخطوة “فعل شيء” ويصفها الباحثون بمراحل تجذير التطرف.

متغيرات نموذج التطرف

لتحديد متغيّرات نموذج التطرف الشامل، استعرضت الدراسة ما كُتب عن تجذير التطرف والإرهاب، وللتحقّق من هذه المتغيّرات تمّ عرضها على ثلاثة خبراء بالتطرف من مختلف وكالات إنفاذ القانون الألمانية، وبعد تعديل بعض المتغيّرات وفقاً لمدخلاتها، تمّ الحصول على ثمانية وعشرين متغيراً في هذه الدراسة تمّ ترتيبها ضمن أربع مجموعات تقع تحت النموذج المقترح، وهي: الشروط المسبقة الفردية، والعمليات الفردية، وعمليات المجموعة، وعمليات المحفز.

الشروط الفردية المسبقة:

  • العوامل الاجتماعية والديمغرافية:

رغم تباين الملامح الاجتماعية والديمغرافية للمتطرفين، وهناك بعض المتغيّرات الديمغرافية، إلا أن هناك بعض المتغيّرات الديمغرافية الشائعة المرتبطة بالتطرف دوماً، فالأفراد المتطرفون هم في الغالب من الشباب، وعادة ما يكونون في العشرينيات من عمرهم، كما أن الغالبية العظمى من الذكور، وقد يكون ذلك مشابهاً للحركات الإرهابية التي ترتبط في غالب الأحيان بالتشريعات الذكورية، وتنطوي دوافع التطرف على مساعٍ كثيرة، كالمجد والمغامرة والتي تتناسب والعمر الفتي للذكور، أما فيما يتعلق بالحالة الاقتصادية والاجتماعية فقد لوحظ نمط أكثر تعقيداً، ففي حين تشير بعض النتائج التجريبية إلى ضعف التعليم بين المتطرفين، تشير أخرى إلى أن التطرف يظهر في كثير من الأحيان وسط الأفراد الذين تلقوا تعليماً جيداً.

  • العوامل البيوغرافية:

تشير العديد من النماذج إلى أن التطرف يبدأ بأزمة شخصية تجعل الناس يتقبلون الأيديولوجيات المتطرفة، إذ أظهرت دراسة أن 90% من الإرهابيين الأمريكيين مروا بتجربة حياتية مريرة قبل تطرفهم، ويبدو التاريخ الجنائي عاملاً بيوغرافياً متكرراً قبل التطرف، كما أن تعاطي المخدرات عامل متكرّر آخر في الحياة السابقة للتطرف، إضافة إلى أن التجربة أثبتت أن الإقصاء الاجتماعي عامل خطير في الأيديولوجيات الراديكالية، فهو تجربة سلبية للغاية لدى البشر تؤدي إلى سلوكيات اجتماعية وغير اجتماعية متطرفة.

  • عوامل الشخصية:

يعدّ التعقيد المعرفي المنخفض مؤشراً على التطرف، وفيما يتعلق بمشاعر الكراهية لدى المنبوذين وبالتحامل العرقي، يرتبط التطرف في كثير من الأحيان بمستويات عالية من التسلّط الاجتماعي، ويبدو أن التطرف يتعزّز إذا ما تعرض الفرد للتهجير، إذ يتعزّز لديه الشعور بالانعزال عن مجتمع بلده وعن موطن أجداده، ويبدو أن الازدراء يؤدي إلى عمل سياسي غير معياري، فهو إحساس يستلزم ابتعاداً نفسياً وانعدام نوايا المصالحة.

العمليات الفردية:

تقترح الدراسة أن العمليات الفردية تغذي التطرف، وتشير إلى خمس حاجات فردية تمهّد السبيل نحو التطرف، يعدّ البحث عن معنى للذات حافزاً للإرهاب من الناحيتين النظرية والتجريبية، فهو سعي يشكّل دوافع بشرية متنوعة، من بينها الاعتداد بالنفس والمغزى من الحياة، وتبدو الحاجة إلى الانتماء نقطة محورية في ميل الفرد نحو الإرهاب.

عمليات المجموعة:

يبدو أن الانتماء لمجموعة ما يلعب دوراً مهماً في عملية تجذير التطرف، ذلك أن معظم العمليات الإرهابية يتمّ التخطيط لها وتنفيذها بشكل جماعي، وينشأ نتيجة لذلك إدراك جمعي بإمكانه تغذية عملية تجذير التطرف، كما أن المشاعر الجمعية قد تعزّز التطرف، ويمكن إثارة هذه المشاعر عبر أحداث تمسّ أعضاء المجموعة أو المشاعر المزمنة كالغضب من الطريقة التي تُعامل بها المجموعة، وتعدّ معايير المجموعة من الجوانب المهمة للانتماء للجماعات المتطرفة.

عمليات المحفز:

يتبنّى الأفراد خلال عملية تجذير التطرف مواقف إيجابية تجاه استخدام الطرق العنيفة للوصول إلى غاياتهم، وبإمكانهم الاعتياد على العنف عبر عملية تدريجية تشمل ممارسة أعمال عنف حدّتها قليلة أو مشاهدة محتوى عنيف، تؤدي عملية تحجير العواطف هذه إلى خفض الاستجابات العاطفية والنفسية تجاه العنف، وبالفعل، تستخدم عملية تحجير العواطف في تجنيد مقاتلي داعش.

يعتبر التجرد من المشاعر الإنسانية أحد السمات الشائعة للفكر المتطرف، إذ بإمكان المتطرفين وضع أعدائهم خارج حدود القيم الأخلاقية إن تبرؤوا من سماتهم الإنسانية ونظروا إليهم على أنهم حيوانات أو مجرد أشياء، وهذه سمة أساسية لدى الإرهابيين الانتحاريين.

وبالتالي تتوقع الدراسة أن يكون المتطرفون شباناً أغلبهم من الذكور، وخاضوا تجربة حياتية مريرة واحدة على الأقل، وقاموا بجناية كجرائم العنف أو تعاطي المخدرات، وأن يكونوا منبوذين اجتماعياً، كما تتوقع منهم أن يُبدوا مستويات منخفضة من التعقيد المعرفي ومستويات عالية من التسلط الاجتماعي، وازدواجاً في الهوية وتحاملاً عرقياً أو طائفياً، وأن يسعوا وراء حاجات كالاعتداد بالذات والبحث عن مغزى للحياة والحاجة للانتماء إلى مجموعة ما وامتلاك أعضاء هذه المجموعة مشاعر جمعية، إضافة إلى تحجّر العواطف والتجرد من المشاعر الإنسانية.