في ذمة التطبيق
تستثار بين الفينة والأخرى ذاكرة المواطن من خلال إحياء بعض القوانين والتشريعات بقوالب وتسميات جديدة، كما تفعل الآن وزارة التنمية الإدارية عبر مشروع الكشف عن الملاءة المالية الذي يشكل خطوة متقدمة على جبهة مكافحة الفساد في حال لم ينحرف عن مساره وأهدافه الموضوعة، ولكن “والحق يقال” السعي أو العمل في هذا الإطار يعزز من إيجابية الواقع، ويؤكد أن الحكومة جادة في ترحيل الأزمات وإنهاء العديد من الملفات المفتوحة بحلول ذكية تنتشل الواقع من عالم التوقعات إلى عالم الحقيقة، وبناءً على ذلك فإن بقاء التفاؤل في حياة الناس مرهون بقدرة الجهات التنفيذية على القيام بالمأمول منها، وإنعاش مفاصل عملها، والتحرك الجاد والسريع للتعامل مع أي قضية أو مطلب بذهنية جديدة لاتقبل التأويل أو التفسيرات الخاطئة، وبشكل يضمن المحاسبة الحقيقة دون أي مظلات وهمية.
وبالعودة إلى ما يطرح اليوم حول التصريح والكشف عن الملاءة المالية للمسؤولين فإنه دون أدنى شك يساهم في تفعيل أداء الجهات الرقابية وجميع مستويات العمل داخل المؤسسات، خاصة أنه يأتي ضمن التوجه نحو فصفصة المشكلات والتحديات والبدء بتقوية مفاتيح العمل الحكومي الأساسية وصولاً إلى رضا المواطن الذي لن يتحقق إذا لم توضع القوانين موضع التطبيق، وتوصيف المشاكل المؤسساتية وفي مقدمتها الأداء الوظيفي الملفوح دائماً بشبهات الفساد وسرقة المال العام.
وطبعاً الدور المناط بالمسؤولين ومراقبة حراكهم المالي حسب ماجاء في مضمون المشروع يزيد من وتيرة التفاؤل ويشحن الهمم، ولكن ذلك “لايعين” أو يساعد المواطن، ولا يحقق تقدماً في مسيرة المعالجة والاستشفاء من معضلة الفساد الذي لايمكن لأحد تكذيب وقائعه وشواهده والقضية تحتاج إلى حلول أعمق من ذلك على صعيد إنهاء الأزمات، وهنا نركز على مسألة هامة أنه لافرق بين الكشف عن الملاءة المالية وبين من أين لك هذا؟في حياة المواطن إلا لجهة التنفيذ الجدي والصحيح وتحقيق الهدف المنشود.
بالمختصر اجتراح الحلول لا يكون فقط باستنساخ القوانين، أو بتكرار أسطوانة المهام والواجبات التي تعتبر من البديهيات المقوننة أو في إضاعة الوقت في البحث عن آليات جديدة للعمل أو قوانين ضابطة وكاشفة للفساد، بل في التقيد بالمسؤوليات وأداء المطلوب بعيداً عن نهج الاستثناءات المختلفة التي من الصعب تبرئة أي مسؤول من تداعياتها، كما أن التواصل الفعال مع كل فئات المجتمع، واجتثاث مرتكزات الفساد لا يحتاج إلى اختراع أساليب أو ابتداع قوانين، فيكفي تبني نهج الأبواب المفتوحة والعمل الجاد والصادق لتحسين الواقع المؤسساتي، وتحقيق قفزات تنموية حقيقية يتلمس المواطنون نتائجها على أرض الواقع، وشد جميع المهام بوثاق المحاسبة والكفاءة والنزاهة والحرص على خدمة المواطنين والاهتمام بقضاياهم المعيشية، علماً أن المواطن لا يطلب أن تضاء له الأصابع العشر كي يرضى؛ فهو يدرك الواقع بكل تحدياته، ولكنه يطمح أن يخط أو يسجل في دفتر يومياته فعل حقيقي بريء من تهمة الإنجاز الكبير والفريد رغم كونه عملاً بسيطاً، وضمن دائرة الواجبات والمهام اليومية التي تجلد حقوق المواطنة بسوط الإهمال والتقصير.
بشير فرازن