انعدام الرغبة بالتنفيذ هو سيد الموقف… خبراء: رجال الأعمال استغلوا مبادرة “عملتي قوتي” للاستفادة من الظهور الإعلامي
خبا ضجيج المبادرة التي أطلقها كل من غرفة صناعة وتجارة دمشق بعنوان “عملتي قوتي”، بغية الحد من ارتفاع سعر الصرف وتقلباته عبر التدخل من خلال منصة لرجال الأعمال وتأسيس صندوق دعم لهذه الغاية، فبعد أن تم إطلاقها وجمع مبلغ قارب المليار دولار -حسب بعض التسريبات- حققت نتائج إيجابية ملموسة؛ حيث لامس سعر الصرف وفق المبادرة 603 ليرات في السوق الموازية، عاد الأخضر إلى مساره العبثي واستعاد قوته ليصل إلى 670 ليرة، ورغم تأكيد المركزي على التفاعل الإيجابي بين رجال الأعمال وغرف التجارة والصناعة والمصرف التجاري السوري وشركات الصرافة لتوجيه العرض من القطع الأجنبي إلى تلبية الطلب الحقيقي عليه بعيداً عن عمليات المضاربة وجني الأرباح في السوق، إلا أن عودة ارتفاع سعر الصرف يشي باحتضار المبادرة، فهل جاءت المبادرة كفقاعة إعلامية لإثبات طيب نية رجال الأعمال، وإبعاد التهمة عنهم بالتخلي عن الوطن في أزمته…؟!
تنصل مقصود
في البداية لم نشأ إغفال أي توضيح من صاحبة المبادرة، وحاولنا التواصل مع غرفة تجارة دمشق، إلا أن بعضهم تهرب عن الإفصاح عن مسار ومصير المبادرة والتنصل منها، بالرغم من إصراره في اتصال سابق على أهميتها وضرورة التريث في الحكم عليها كونها ستؤسس لمنصة فاعلة في ضبط إيقاع سعر الصرف، فيما اعتزم البعض الآخر على عدم الرد؛ ما يعني بشكل أو بآخر تجنب أي سؤال قد يعري مدى فعاليتها وقدرتها في رسم الملامح الزاهية التي روجوا لها…!
عرجاء بامتياز..
لاشك أن المبادرة ومنذ لحظة الإعلان عنها حصدت ردود فعل شبه جازمة من قبل خبراء الاقتصاد بعدم جدواها، فيما فضل البعض عدم التسرع في إطلاق الأحكام رغم تلميحاتهم بفشلها، والتعويل على طرق وآليات إدارتها علها تأتي بنتائج تخالف توقعاتهم وما استقرؤوه من البداية، ولكن اليوم وبعد مضي ما ينوف عن الشهر توضحت الرؤية، وبات بالإمكان الحكم على مدى نجاعتها، إذ بين الدكتور أكرم الحوراني -الذي توقع فشلها منذ البداية- أن المبادرة جاءت بأفكار وآليات تنفيذ من صميم دور المصرف المركزي لا دور رجال الأعمال، كون المركزي يمتلك السلطة في إلزام كافة التجار ورجال الأعمال ضمن أسس وقوانين محددة تحدد نسب الدفع، لكن رجال الأعمال استغلوا الفرصة وسخروا المبادرة للاستفادة من الظهور الإعلامي فقط ولاسيما مع البدء بحملة مكافحة الفساد وتسرب الشائعات بحق بعض الشخصيات والأسماء، ويبدو أن ارتباط بعض رجال الأعمال بعلاقات مع مراكز القرار الاقتصادي سرعت في إطلاق هذه المبادرة؛ فجاءت مبادرة عرجاء وتم إيقافها لاحقاً..!
اعتراض مشبوه
وتساءل الحوراني عن عدم تطبيق بعض الحلول الاقتصادية النقدية المجدية، ولاسيما تلك المطبقة في بعض الدول التي مرت بأزمات اقتصادية مشابهة، فمن الأجدى برأيه تطبيق القرض الإلزامي على رجال الأعمال بمعدل فائدة متوسط متوافقة مع رؤية الحكومة، على أن تتصرف إدارة السياسة النقدية بحصيلة الأموال في رفع نسبة العجز أو توظيفها في مسارات من شأنها استقرار سعر الصرف وتخفيضه، مشدداً على أن إدارة سعر الصرف من مهام البنك المركزي، فهناك تعدد لمستويات الإدارة فيه، من خلال إدارة يومية تضم لجنة للسياسة النقدية ومجلس النقد والتسليف، إلا أن الإشكالية تكمن في آلية التعامل مع قرارات المركزي لجهة رفع القرارات النقدية إلى اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء وعرضها على المجلس الاستشاري والحكومة، فتلقى اعتراضات وتضارباً في الآراء، وساق على ذلك رفض الحكومة مقترحاً للسياسة النقدية برفع سعر الفائدة المطبقة، متسائلاً ما المانع ..؟! ولماذا لا يتم اللجوء إلى استخدام سعر الفائدة من أجل الحد من المضاربة، أو البدء بطرح سندات الخزينة المتنوعة من أجل تمويل عجز الموازنة والابتعاد عن تمويل العجز بطرق تضخمية كالإصدار النقدي، خاصة أن الكتلة المالية المتكدسة في المصارف والتي تعادل 2.7 مليار كافية لحل الإشكالية وتخفيض سعر الصرف…!
سرية مريبة
خبراء آخرون أكدوا أن المبادرة والمعالجات التي تطرح هي بمنزلة معالجات بهلوانية لا ترتقي إلى مرحلة الحلول، رغم وجود الكثير من الطروحات والاقتراحات الاقتصادية من شأنها حل معضلة تذبذب سعر الصرف الذي يتلاعب باقتصاد البلد، لكن على ما يبدو أن مصالح البعض تدفع بهم إلى تجربة طرائق عديدة لا تجدي نفعاً لكسب المزيد من الأرباح والوقت وإطالة عمر المرحلة الحالية، معتبرين أن سرية المعلومات التي يمارسها المركزي في إحصائياته ومعلوماته تشكل عثرة في استقراء الإجراء المناسب، فإن توفرت معلومات وإحصائيات دقيقة يمكن أن يقدم الخبراء الأكاديميون أفكاراً منطبقة على الواقع الاقتصادي، وفي هذا السياق انتقد الدكتور علي كنعان الحضور الشكلي في الإعلان الرسمي للمبادرة، بالإضافة لغياب التنظيم الفعلي للمبادرة وأهدافها وآلية عملها، مبيناً أن الواقع يشي بالمحصلة بجمع مبالغ ضخمة من الدولارات دون التخطيط لاستخدامها، واقتصارها على تحويل المبلغ من حساب لآخر، ومن شخص لآخر؛ الأمر الذي اعترض عليه التجار أنفسهم وبدؤوا بالانسحاب من المبادرة، لتدخل في حالة الاحتضار، ودحض كنعان غياب الرؤية الاقتصادية الصحيحة على خلاف بعض الخبراء الذين أكدوا غيابها، مؤكداً أن الرؤية ليست بغائبة عن تفكير الإدارة النقدية، إلا أن انعدام الرغبة بالتنفيذ هو سيد الموقف.
فاتن شنان