الصــــــــــــواني والحــــــــــــلـوني
ترسل بعض الشركات المنتجة للدراما ووفق نظام مُتبع، نصوصا دراميّة، إلى القراء الذين يبدون رأيهم فيها، ويضعون ملاحظاتهم عليها، ثم يقومون بتقييمها.
واضح من هذه النصوص ومن تجربتي الشخصية، واحد من كل مئة وعشرون منها صالحا للإنتاج، وهذا الواحد ليس صالحا تماما، بل يحتاج إلى جلخ، وقص، وترميم، ودعامات، وإذا كانت النسبة هكذا بالفعل، فذلك يشير إلى أن تلك الشركات ليس فيها من يُحسن القراءة، وإلا كان على أحدهم أن يعلم ومن الصفحة الأولى أن هذا النص أو سواه، ليس فقط غير صالح للإنتاج وتحويله إلى مسلسل، بل إنه ليس صالحا للإرسال للُقرّاء من أصله؛ إذا كانت شركات الإنتاج، لا تقوم بأي نوع من القراءة، فهذا يعني أنه ليس لديها شخص واحد يُحسن القراءة، فلو كان فيها من يستطيع ذلك، فيجب أن يكون لديه وعي بـ “المصلحة”، بأن ذلك النص الذي يُرسله “الكاتب” للشركة، قد يكون فرصة الموسم، والخبطة الدراميّة التي ترفع من شأن تلك الشركة، وتزيد أرباحها، وبناء عليه يجب أن يكون لديه لهفة وحماسة ليقرأ، فاحتمال ورقة يانصيب قد تربح، لا بد يدفع أحدنا لإلقاء نظرة عليها عندما يكون جالسا أمام الشاشة يتفرج على سحب اليانصيب، فالنصوص التي يُرسلها الكتّاب للشركات، هي أوراق يا نصيب بالنسبة للعقلية التجارية التي تنظر للعمل الدّرامي، كمشروع ربحي، ولا يعيبها الأمر إذا حدث ضمن الأصول، ولكن ما تقوم به هذه الشركات، يكشف أنها ليست مهتمة، لا بالمضمون ولا بالشكل ولا حتى بالربح، فلماذا هي إذا موجودة؟
لنفرض أن أحدنا أراد ان يستثمر، بتجارة “النمورة” و”البقلاوة”، وغيرها من الحلويات، وكما نعرف أنه “ليس كل من صف الصواني صار حلواني”، أليس من الطبيعي أن يحصل هذا المستثمر على عمال يفهمون في المصلحة؟ فهل يرضى أن يخسر ما استثمر به؟ وهل يجرؤ أن يُعطي رأيه بـ “متى”، تنضج الحلوى؟ وما هي المكونات وبقية التفاصيل، مثل جودة الفستق الحلبي، إذا شعر للحظة أن رأيه سيحرق “الطبخة”؟، هناك في أحد أحياء حلب القديمة “معلم” يعرف من نظرة واحدة إلى الفستق الغض، إذا كان الفستق قد زُرع في أرياف أحياء دمشق العريقة أو ارياف حماة، او أرياف إدلب
وهناك لحام في محل متواضع، في شارع اسمه “قسطل حرامي”، في حلب، قال لزبائن جلسوا إلى الطاولة ذات مرة، أن لا لحم لديه ليلبي طلبهم، وكان “لحمة بعجين”، فما كان منهم إلا أن استنكروا، وهم بأيديهم يشيرون إلى الخراف المعلفة في واجهة البراد، فقال: هذه البضاعة، من أرياف شرق حلب، وغرب الرقة، وهي لا تناسب ما طلبتم، لو كان عندي خرافا من ريف حماة، لكنتم “أهلا وسهلا”؛ المحل المذكور، صار عمره 90 عاما، وهذا ما يٌفسر استمراريته القائمة على النجاح، واعتماده على أشخاص يعرفون ماهية البضاعة، التي يستثمرون فيها.
عند مقارنة “الوعي المهني”، لأصحاب المصالح اليومية، الحياتية البسيطة، بالوعي المهني لأصحاب “مصلحة” الدراما، والذي من المفترض أنهم، أهل فكر وفن، نرى أن شركات الإنتاج، أقل بما لا يقارن، في فهمهم لأصول السوق، والمنافسة وكسب الزبائن، فالمبادئ في الصناعة والتجارة أي كانت لا تختلف، سواء كانت شركة دراميّة، تريد أن تصنع وتبيع مسلسلا، أو شركة تصنع أدوية، وتريد أن تبيع وتربح، لذا من الطبيعي أن يكون شرط النجاح، هو جودة المنتج، وهي ما يقررها المستهلك. وقبل أن نتورط مع المستهلك، لا بد من ضمان جودة ما نقدمه، فكيف إذا كان الذي نتوجه إلية بالبضاعة، يمكن أن نسميه “المستهلك الثقافي”؟، وهذا من أخطر أنواع المستهلكين، لأنه لا يمكن أن يتعرض للغش، فكل شيء واضح أمامه!
المفارقة أن المستوى الأخلاقي المهني، ليس أرفع فقط بالحصول على الخبراء والمتخصصين في كل مصلحة، يومية، حياتية، بل أيضا في المستوى الأخلاقي، وهما في الحقيقة واحد عند التدقيق فيهما، لأن أي صاحب محل عريق، سوف يرفض أي “واسطة” أو “محسوبية”، لتشغيل عامل لديه، غير خبير ومؤهل، ولن يُغامر بإعطاء “الفرن” مثلا، أو بسطة “السندويش”، لشخص قد يُدمر كل شيء!، كرمى عينيّ هذا القريب، أو ذاك، وإذا ضغط عليه الأقارب، لتشغيل أحدهم، فإنه يضعه في نقطة غير قاتلة، مثل الكاشير، أو عامل خدمة التوصيل، لأن صاحب محل فلافل، إذا فعل ذلك مع العامل الذي يجب أن يرفع أقراص الفلافل الناضجة من الزيت في اللحظة المناسبة، فإن كل الجهود التي بذلها الذين قبله في مراحل العمل، ما سينسحب بالضرورة، على الذين يجيئون بعده أيضا في مراحل العمل المتعددة، تلك الجهود سوف تذهب هباء.
أما في شركات الإنتاج، التي لا نسمع عنها إلا بنص-سيناريو-تم “دفشه” من هنا، ومخرجٌ هبط من هناك! وممثل جاء بـ “معية” فلان، وممثلة أتت على يد “علتان”، وهكذا تحترق الطبخة الدراميّة من كافة الأطراف، على أيدي طباخيّ الفشل الدرامي، الذي لم نخرج من تحت وطأته، ثم ويسألونك بكل براءة: ما هي مشكلة الدراما المحلية؟!
تمّام علي بركات