ثقافةصحيفة البعث

“المدارس والتيارات الأدبية”.. عمل موسوعي

 

لم يكن يتوقع د. غسان السيد عندما بدأ بترجمة كتاب المدارس والتيارات الأدبية، تأليف إيف ستالوني، إشراف دانييل بيرغيز والصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب أن يجد فيه هذا الكم من المعلومات الخاصة بالتيارات والمدارس الأدبية، مبيناً أنه عمل موسوعي يفيد أي دارس للأدب لاسيما أن قسماً كبيراً من هذه المعلومات غير معروف لكثير من الدارسين، حيث هناك مدارس وتيارات غير معروفة ولم تنتشر خارج فرنسا، مشيراً السيد إلى أن الكاتب يطرح في المقدمة مسألة مهمة وهي كيفية التمييز بين كلمات تستخدم في الثقافة العربية دون الانتباه إلى دلالتها مثل المدرسة والتيار والاتجاه والحركة والجماعة الخ.. ولهذا يضع الكاتب معايير للتصنيف من أجل التمييز بين هذه الكلمات المختلفة منوهاً السيد إلى أن منهج العمل المتّبع في هذا الكتاب مفيد لكل مهتم بالمدارس والتيارات الأدبية فهو يتتبع نشوء الفكرة منذ ولادتها ثم يعود إلى أصل الاسم ومن أين جاء ومتى استخدم أول مرة ومتى استقر وأصبح شائعاً وهذه مسألة مهمة جداً برأيه كي نعرف الظروف التي نشأت فيها هذه المدارس والدوافع التي كانت وراء نشأتها وأهم أعلامها وإسهامها الأدبي في فرنسا وخارجها.

تقديس العقل
ويبين السيد أن ما يلفت النظر في نشوء هذه المدارس هو روح العمل الجماعي الذي كان موجوداً في فرنسا منذ العصور القديمة لأن هذه المدارس نشأت واستمرت نتيجة عمل جماعي وجهد مشترك ولا توجد أية مدرسة أدبية نشأت بفعل جهد فردي على الرغم من دور عدد من الأفراد المهم في تأسيس هذه المدارس، ويأَسَف لأننا نفتقد إلى هذه الروح الجماعية في العمل سواء في جامعاتنا أم خارجها ولهذا نحن لا ننتج المعرفة وإنما نستهلكها حتى دون الإفادة منها في زيادة المعرفة والوعي لذلك ستبقى جامعاتنا برأيه قاصرة عن أداء الدور المطلوب منها، لأن طريقة التلقين في التعليم لا ننتج المعرفة، ولهذا انتبه رواد الفكر في فرنسا منذ القرن السابع عشر إلى ضرورة إصلاح التعليم والابتعاد عن طريقة التعليم الديني التي كانت سائدة في ذلك الوقت القائمة على التلقين ولهذا يتوقف السيد كذلك عند مسألة مهمة أُخرى تستخلص من هذا الكتاب وهي مسألة تقديس العقل والحرية منذ العهود القديمة، حيث كانت المدارس الأدبية المختلفة منذ العصر الوسيط تسعى إلى تحقيق هذا الأمر من خلال الإنتاج الأدبي من هنا عملت هذه المدارس على تحرير اللغة الفرنسية من هيمنة اللغة اللاتينية والنماذج القديمة في الأدب والفن والفلسفة فوسعت هذه المدارس إلى تحرير العقل من أي تأثير يمكن أن يقيّده.

التعليم دون وعي خراب للروح
ويعترف السيد أنه لم يكن من السهل التصدي لترجمة هذا الكتاب بسبب الكم من المصطلحات النقدية والفنية والفلسفية إضافة إلى وجود تيارات وحركات أدبية غير معروفة لهذا فإن خدمة الترجمة كانت أصعب من الترجمة نفسها، وقد حاول أن يبسّط المعلومات ويشرح الأشياء الغامضة ويُعَرِّف ببعض هذه التيارات غير المعروفة، معتقداً أنه قدّم إلى الثقافة العربية من خلال ترجمته للكتاب خدمة كبيرة وهذا ينسيه تعبه الذي رافقه خلال عمله ويرجو أن يكون قد وُفِّق في تقديم ترجمة واضحة ومفيدة ليلبي الكتاب حاجة القارئ والباحث إلى معرفة المدارس والتيارات الأدبية التي عرفها العالم والتي انطلق قسم منها من فرنسا أو تطور فيها وأخذ أبعاداً جديدة، خاصة وأن ساحتنا الأدبية التي تشهد حركة تأليف ناشطة في الأجناس الأدبية كافة تلقي على الحركة النقدية المحلية أعباء كبير تقرؤها بمنظور النقد الشامل الذي عرفته الآداب العالمية في كل المناطق التي أثمر فيها أعمالاً أدبية رائدة شرقاً وغرباً من هنا اختارت الهيئة العامة السورية للكتاب أن تضع بين أيدي النقاد الأدوات النقدية الحديثة لتكون عوناً لهم في تقويم نتاجنا الأدبي المحلي الذي ينتظر قراءة منهجية تسلط الضوء على منجزاته.. ويختم السيد المقدمة بقول يضعه مونتين نصب عينيه أثناء عمله “الحكمة لا تدخل الروح الشريرة أبداً والتعليم دون وعي خراب للروح”
أمينة عباس