قصور مكتب العدل الفني يفسح المجال أمام التناقضات محامون وقضاة تصدوا لجمع الاجتهادات وآخرون انجرفوا وراء استخلاص خاطئ!!
دمشق– ريم ربيع
يبدو أن تطوير المكتب الفني في وزارة العدل عاد إلى الواجهة بعد سنوات من الإهمال، جعلت منه جهة إدارية عادية رغم الدور المهمّ المفترض أن يأخذه في ضبط الاجتهادات لتحقيق الأمن القضائي، فتجدّد الحديث عن تطوير المكتب خلال المؤتمر القضائي السابع، وورد في التوصيات تفعيل عمله وتغيير هيكليته بجعله من القضاة وبرئاسة مستشار، فيما يعدّ حالياً مؤازراً لمحكمة النقض يترأسه قاضٍ مستشار ويعاونه مجموعة من الموظفين، ويعمل على استلام نسخ الأحكام والبلاغات والكتب الرسمية والاجتهادات المقارنة والمقالات وإيداعها لدى رئيس المكتب للتنسيق مع إدارة التشريع بنشر المطالعات والقرارات والاجتهادات عن محكمة النقض، ويشرف على إصدار مجلة القانون.
ومن الواضح أن قصور عمل المكتب تسبّب بوقوع القضاة في دوامة التحقّق من الاجتهادات التي يظهر فيها بعض التناقض، حيث أوضح المستشار في محكمة النقض القاضي كمال الجنيات أن القضاة لا يمكنهم الاعتماد على الذاكرة فقط لمعرفة المبادئ والقواعد القانونية التي نهجتها محكمة النقض، فالمكتب الفني يفترض أن يكون أهم رافد لضبط الاجتهادات المتناقضة والمتناثرة الصادرة عن محكمة النقض والهيئة العامة، وفي سبيل إيجاد أمن قضائي لا بد من وضع ضوابط للقضاة ليسيروا على هديها، فيما صدر عنهم من اجتهادات، مضيفاً: إن التناقضات الواردة في قرارات محكمة النقض والهيئة العامة مردّها لعدم قوننة الاجتهادات بشكل دائم، بحيث يمكن للقاضي العودة إليها بسهولة لتبيان إذا ما كان هذا التفسير سبق وأن تعرضت له محكمة النقض وأقرّت مبدأ قانونياً معيناً، وغياب هذه المنهجية يضطر القاضي إلى أن يعتمد على ذاكرته أو النص القانوني ليجتهد مجدداً، وقد يغيب عنه أن هذه القاعدة سبق وأن أرسيت أو سبق أن قررت محكمة النقض بتلك المبادئ.
ويعدّ استقرار الاجتهاد القضائي أهم عنوان في استقرار منظومة القضاء، فهو وسيلة تفسير النصوص وتوضيحها وفضّ النزاعات التي لم تجد لها تكييفاً قانونياً، ومن هنا عدم استقراره أو تراجعه أو تناقضه يعدّ عاملاً سلبياً في الأمن القانوني، إذ أكد جنيات أن المكتب وفق واقعه الحالي غير كافٍ لضبط الاجتهاد القضائي، والآلية التي يتمّ النشر وفقها في مجلة القانون ارتجالية ينقصها المهنية والموضوعية، وترجع عدم فعالية المكتب للمهام الموكلة إليه وطبيعة تشكيله وطبيعة الكادر الموجود، فرئيسه قاضٍ مستشار أو قاضٍ بدائي، والكادر مجموعة موظفين وليسوا قضاة، وهم غير مؤهلين للنهوض بمهامه، كاستخلاص القواعد القانونية التي تقرّرها المحكمة في ما تصدره من أحكام وإعداد البحوث الفنية التي يُطلب من رئيس المحكمة القيام بها، وإصدار مجموعة الأحكام.
وكشف الجنيات أن القصور في إصدار مجلة القانون بالسوية المطلوبة دفع الوزارة للاستعانة بكادر متخصّص في معهد القضاء وأصدر مجموعات عدة متميزة ذهبية وماسية، كما تصدّى بعض المحامين والقضاة لإصدار مجموعة كتب بأسمائهم لمجموعة الاجتهادات، وهو أمر لا يجوز أن يخرج عن دور المكتب لأنه الأقدر على ضبط الاجتهاد ويعرضه على القاضي والمحكمة التي أصدرته للتحقق من طبيعة ما رمى إليه الاجتهاد عن إحدى الغرف أو الهيئة العامة، فضلاً عن المهنية في جمعها، وهذه الكتب فيها تعدٍّ على المكتب الفني، لأن جامعي الاجتهاد يعمدون إلى إغفال أسماء الهيئات التي صدر عنها وفي ذلك خلل كبير، كما أن من يجمع الاجتهاد يستخلص القاعدة القانونية ويضعها في رأس الاجتهاد، في حين يعدّ استخلاص القاعدة من عمل القاضي المطلع وليس الجامع، ووقع بعض القضاة في أحكام صدرت عنهم بتطبيق خاطئ لأنهم انجرفوا وراء استخلاص بعض الأفراد، مشدداً على أن عمل المكتب يجب أن يفلتر جميع الشوائب من اجتهاد ضعيف أو خارج عن النص القانوني أو متناقض مع سابقه أو يخالف القواعد والهيئة العامة، مما يضمن وجود مرجعية ثابتة موثوقة للاجتهاد الصادر عن محكمة النقض.
وبيّن الجنيات أن المؤتمر القضائي السابع تناول استقرار الاجتهاد القضائي، فاقترح ضبط الاجتهاد وتحديد معيار ومفهوم لقاعدة أن اجتهاد الهيئة العامة ينزل منزلة القانون، مع التأكيد أن هذا المعيار لا ينسحب على كل اجتهاد يصدر عن الهيئة، إنما فقط على المبادئ التي تقرّرها الهيئة العامة لمحكمة النقض. وقدّم الجنيات رؤية مشروع لتعديل مفهوم المكتب، سواء من حيث التسمية أو الكادر وتعديل المهام بالشكل الذي يؤمّن لرجال القانون المرجع السليم، بحيث لا يمكن لمحكمة النقض أو سواها أن تتذرع بالتناقض، مقترحاً تغيير الاسم لـ”مكتب المبادئ” وجعل مهامه تتمثّل باستخلاص المبادئ القانونية التي تقرّرها المحكمة وتبويبها ثم نشرها بالطرق التي تيسّر الاطلاع عليها من قبل القضاة والمشتغلين بالقانون، والإضافة لمهامه الإشراف على جداول المحكمة، من حيث الطعون الواردة، بحيث إذا تبيّن للمكتب وجود طعون متماثلة يتمّ التنبيه للغرف التي ستنظر بالطعون منعاً لتضارب الأحكام بين دائرتين من النوع نفسه، إضافة إلى ضرورة معاونة عدد من القضاة لرئيس المكتب ورفده بقضاة حديثي العهد.