أغنيات الحب في الموسيقا العربية
“لا توجد أغنية عربية تكاد تخلو من كلمات الحب أو الغزل أو الحنين والاشتياق” بهذه المفردات بدأ الباحث وضاح رجب باشا محاضرته ضمن سلسلة موسيقا الزمن الجميل في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة –”أغنيات الحب في الموسيقا العربية” رابطاً بين أجمل ما قيل في الشعر العربي بالحب من خلال القصائد المغناة، ليصل إلى أن أم كلثوم هي أعظم من غنى للحب، واستهل محاضرته بشرح مفهوم الحب الذي يغمر الإنسان بالسعادة، وفي أحايين يمضي به إلى دائرة الحزن والاكتئاب، منوّهاً إلى أن الحب من هذا النوع هو تعذيب للذات، ثم تابع عن أنواع الحب، الحب الإلهي المرتبط بمحبة الذات الإلهية والرسل، والحب الدنيوي الذي يحمل كل المشاعر الوجدانية والعاطفية، فعرض مقطعاً صوتياً للقصيدة الدينية التي غناها الوشاح سليم عبده العقاد وارتبطت بالضربات الإيقاعية الملازمة جلسات الذكر:
“أحسن ببارئك الظنون، فكم وكم في رمش طرف، يسر الإعسارا”
واتخذ من القصائد التي كتبها طاهر أبو فاشا وغنتها أم كلثوم المحملة بمعاني الرجاء والتقرب أنموذجاً عن الحب الإلهي بفيلم”رابعة العدوية” منوّهاً إلى الانتقال الكبير بين الأغنيات في بداية الفيلم التي تصف المجون والرقص والخمر وإلى التسامي والأبعاد الصوفية التي غنتها رابعة العدوية بعد أن تغيّرت حياتها ودخلت بالصوفية، مستعرضاً أغنية “عرفت الهوى- أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك”.
نهج البردة
وينتقل المحاضر إلى الشاعر أحمد شوقي الذي برع بمدح الرسول (ص) في قصائده ومن أجمل ما كتبه قصيدة “نهج البردة” المضمنة بالحِكَم على غرار قصائد المتنبي والتي حاكى فيها قصيدة البردة للبوصيري باللحن والوزن ذاتهما وغنتها أم كلثوم بانسيابية وتناغم مع لحن السنباطي:
“يالائمي في هواه والهوى قدر/لو شفّك الوجد لم تعدل ولم تلم”
وشغل الزجال بيرم التونسي مكانة كبيرة في الموسيقا العربية من خلال قصائده بمدح الذات الإلهية، فألهبت قصيدته التي استمدها من وحي زيارته الأراضي المقدسة “القلب يعشق كل جميل” بصوت أم كلثوم القلوب حباً وتقرباً من الله عزّ وجل، محللاً اللحن الشهير الذي ألّفه السنباطي، وكما ذكر المحاضر يعد أعظم ما قدمه السنباطي في الموسيقا العربية، ويأتي على مقام واحد “البيات” تخللته نغمات قليلة من الرصد والسيكا، إلا أنه حفل بتنوع مذهل بالجمل اللحنية على إيقاع سريع جداً إيقاع المقسوم، منوّهاً إلى قدرة السنباطي على التغيير إذ عرفت القصائد الدينية على إيقاع الفالت أي دون وزن، أو على إيقاع الوحدة المفتوح” واحد ما فيش غيره ملأ الوجود نوره”. وعقب المحاضر باشا على أداء أم كلثوم القوي المتصف بالروحانية والتقرب إلى الله في مرحلة عصيبة عاشتها الأمة العربية بعد نكسة حزيران.
أم كلثوم وحالات الحب
ولم يقتصر غناء أم كلثوم على الحب الإلهي فهي برأي المحاضر والنقاد أعظم من غنى للحب بأنواعه، إذ تعمقت بحالاته بين صدّ وهجر ولقاء وفراق مبتدئاً مع بيرم التونسي وأغنية “الحبّ كده” التي تنتمي إلى المنولوج متوقفاً عند أداء أم كلثوم بمقطع “ينسيني الوجود كله” مع آلات التخت الشرقي والوتريات، ثم اختار الأغنية العاطفية قصيدة أغداً ألقاك ألحان عبد الوهاب بكلماتها الممتزجة بالشوق.
وبدا كبرياء أمل كلثوم وعنفوانها بموقفها الحاسم من الرجل في أغنية قصة الأمس-ألحان السنباطي- التي أوحى معناها بقصتها: “أنا لن أعود إليك، مهما استرحمت دقات قلبي”
وبعد أم كلثوم توقف المحاضر عند محمد عبد الوهاب الذي قدم للموسيقا العربية الكثير من الأغنيات العاطفية والغزلية له مثل الصبا والجمال ملك لديك، ليصل إلى تجسيد عبد الوهاب حالة فانتازيا الحب بتلحينه وغنائه قصيدة إبراهيم ناجي”أي سرّ فيك لستُ أدري”، وتابع مطولاً عن المونولوجات التي غناها مثل أغنية”حياتي أنت ماليش غيرك” كما قدم كثيراً للآخرين. كما توقف عند ارتباط الحب بمرحلة الشباب التي مثلها بصورة خاصة عبد الوهاب بقصيدة بشارة الخوري”الهوى والشباب” كما اختار الأغنية التي لحنها لوردة بصوته وعزفه على العود”اسأل نور عيني اسأل مخدتي”.
وأوجد المحاضر رابطاً بين درجات الحب ابتداءً من الهوى والصبابة والشغف والعشق إلى الوله وغيرها، وبين أغنيات غناها عمالقة الموسيقا العربية مثل فريد الأطرش مكتفياً بعرض مقتطفات من أغنيته” عش أنت” كلمات بشارة الخوري، وأغنيات لحنها لآخرين مثل أغنية “بيني وبينك شوق وحنين” للمطرب عادل مأمون بلحن راقص جميل ورشيق، ونوّه باشا إلى جمال صوته إلا أنه لم يحقق شهرة لأنه لم يخرج من عباءة الملحن وجسد شخصية الملحن بأدائه.
ومن فريد الأطرش إلى الإحساس العاطفي الدافئ الذي عكس بصوته كل حالات الحب مع عبد الحليم حافظ ومقتطفات من “جانا الهوى جانا”.
وتوجه المحاضر بسؤال لجمهور أبو رمانة تاركاً الإجابة لهم”هل يوجد حبّ حقيقي أم نحسّ به مع الموسيقا والكلمة والصوت وغناء الزمن الجميل فقط؟.
ملده شويكاني