ثقافة

جرحى الجيش.. على مسرح الأوبرا

دفع السوريون ضريبة عالية في حربهم مع الإرهاب، لكن الضريبة الأكبر دفعها رجال الجيش العربي السوري الذين يدافعون عن كرامة وسيادة سورية، كما طالت كثيراً من المدنيين وسببت لهم عاهات تشهد على عدوانهم، لكن أولئك لم يكونوا بمنأى عن المجتمع السوري وإصابتهم دفعتهم إلى العمل بتصميم أكبر، وقد قدّم   العمل الاستعراضي “إيد بإيد”على خشبة مسرح الأوبرا-إخراج مجد أحمد وباسل حمدان بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بمشاركة من جرحى الجيش العربي السوري وذوي الاحتياجات الخاصة وفرقة أجيال الذين أنشدوا جميعاً “بلا وطن شو نفعك يا إنسان” ضمن رسائل مباشرة إلى جميع أبناء المجتمع السوري تؤكد على مفهوم التشاركية بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة وجرحى الجيش العربي السوري في المجتمع لبناء سورية من جديد والتصدي للمؤامرات الخارجية.
الأمر اللافت هو حضور المكفوفين والصم والبكم على المسرح بتقديم لوحات إفرادية ولوحات مشتركة مع فرقة أجيال، وإظهار إمكاناتهم الفنية المتمثلة بالرقص والتمثيل والغناء كما الأصحاء، وإن كانت ضمن حركات بسيطة إلا أنها تدل على إرادتهم القوية.وكانوا يبتسمون في وجوه من يصادفون تعبيراً عن فرحهم بالحفل التكريمي لهم، وهذه خطوة جيدة تشهدها الأوبرا لتشارك بدمجهم مع شرائح مختلفة من المجتمع، حيث تفاعلوا جميعاً بالروح الحماسية في لوحة بانورامية وطنية.
غلبت التعبيرية على العرض وقد امتزجت بالموسيقا الدرامية التي ألّفها الموسيقي نزيه أسعد معتمداً على روح الموسيقا الشرقية وآلاتها الخاصة بالدرجة الأولى العود والقانون والناي، وقد تميّزت كل لوحة بموسيقا خاصة تناسب الفكرة والفريق الخاص، تسع لوحات تخللتها فواصل درامية استندت إلى خلفية تصوّر منازل البيت القديم وأبوابه إيماءة إلى شيء يشبه المدينة التي تجمعنا معاً.
مظلة الوطن

بدأ العرض بإطلالة أحد الجرحى الذي فقد يده وساقه إثر إصابته بشظية اعتقد لحظتها أنه استشهد ليستيقظ ويجد نفسه ملقى على سرير تغطيه الملاءات البيضاء، وليكتشف ماخسر، لكنه يؤمن بأن جسده فداء الوطن، ثم تتالت الفواصل الدرامية بمشاركة الراوي (الرجل المقعد) مع أشخاص متعددين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقدم جرحى الجيش المقعدون على الكراسي المتحركة لوحة تعبيرية، عبر حركة دوران الكراسي مع أنغام الموسيقا الكلاسيكية لتتناغم فيما بعد مع آلات الموسيقا الشرقية ويخيم عليها اللحن الشجي، لتعبّر المظلات الملونة المفتوحة التي اشتركت بحركية اللوحة عن خيمة الوطن التي تظللنا بأفيائها، تبعتها لوحة الجيش بمشاركة فرقة أجيال.

إيقاع العصا
أما لوحة الصم التي كانت تشبه الحمام الأبيض، فاعتمدت على سحر الوتريات وأدى فيها الصم الحركات التعبيرية بمساعدة مدربهم الذي ترجم لهم الإيقاعات الموسيقية الخاصة بكل حركة، في حين تصاعدت نغمات الآلات الإيقاعية الشرقية إضافة إلى الدرامز والطبل، وكانت المحور الأساسي للّوحة الإيقاعية (المكفوفون) إذ توافقت حركة العصا مع الإيقاع في تنفيذ الحركات التعبيرية، تبعتها لوحة النور التي قدمها الراقصون مع الكرات البيضاء التي ترجمت إحساس المكفوفين بالحياة ألواناً من الحب، ومضى المسار الراقص فيها على نغمات القانون الذي شكل في مواضع ما يشبه الصولو، وفي لوحة السقا تقصّد المخرجان أن يظهرا إمكانية البطل المعوق الذي فقد يديه والذي حمل العصا التي تحمل أوعية الماء بفمه، لينتهي العرض بلوحة شاملة لجغرافيا سورية باسم بانوراما وطنية، اتصفت بكلمات مستمدة من روح كل محافظة كتب كلماتها إبراهيم الأحمد وقدمها راقصو فرقة أجيال، وبإيماءة تؤكد على التشاركية، أيضاً حيّا جميع المشاركين في العرض الوطن على وقع كلمات بكتب اسمك يا بلادي.
ملده شويكاني