التشبيك المجتمعي!
رغم التحديات التي فرضنها سنوات الحرب أو عملية المواجهة لجائحة كورونا، إلا أنه “لم تنقطع سبل العيش بعد”، وهي المقولة التي يرددها الناس في كل مكان ويتمسكون بمضمونها ويحاولون إرساء كلماتها في أرض الواقع وداخل يومياتهم ويحاولون إقصاء التشاؤم بوسائل وطرق مختلفة، وفي مقدمتها تفعيل الحالة المجتمعية المتماسكة، لتخفف من الأعباء وتحد من تداعيات الواقع، فالحاضنة الاجتماعية المتكافلة والمتضامنة داخل المجتمع، والمبادرات الخيرية، تؤمّن بعض الاحتياجات المعيشية التي تساهم لحد معين في سد الثغرات وردم الهوة بين الدخل المتواضع للكثير من العائلات وبين واقع الحياة الفعلي؛ ورغم بساطة ما يُقدّم لكنه بحسب النتائج كافٍ لتجنب العوز والحاجة وتحقيق “السترة” التي كانت هدفا مشتركا بين الناس الذين يعتنقون فكرة “إذا كان جارك بخير فأنت بخير”.
ومن الضروري العمل على استثمار الحالة الإيجابية التعاضدية التي نعتقد أنها تمثل الصورة الحية للمجتمع من خلال إيجاد علاقة تعاونية صحيحة بين جميع المبادرات – وخاصة في هذه الأيام المجروحة بالفقر – وبشكل يؤدي إلى إيقاف النزيف الخيري المستمر الذي تسببه الاتكالية المفرطة على المؤسسات الخيرية التي تزداد مسؤولياتها نتيجة للحالة الانشطارية المتواصلة داخل المجتمع، وتحديدا لجهة زيادة عدد المحتاجين وغياب المعايير الواقعية للفئة الأشد حاجة، فالطوابير الطويلة “المتمسمرة” أمام مقار الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر تدين الفقر وتشوّه الحقيقة، خاصة عند التدقيق في الهوية الاقتصادية المعيشية للحاصلين على المعونة والمساعدات المختلفة أو السلة الغذائية بغير وجه حق؛ والمقصود هنا أولئك المتخفون بزي الفقر والحاجة، والذين باتوا بمساعدة بعض ضعاف النفوس أكثر وقاحة وحضورا على أبواب الهيئات الخيرية لسرقة حصص الفقراء الحقيقيين تحت عناوين كثيرة، رغم امتلاكهم مقومات الحياة الجيدة.
ولاشك أن تراجع المستويات المعيشية وازدياد الأعداد الباحثة عن قشة الإنقاذ المعيشي يفرضان نمطاُ جديداُ من التعامل، وبشكل يضمن اتخاذ الكثير من الإجراءات التي تدعم التعاون والامتثال للأخلاق والقيم ضمن دائرة التكافل الاجتماعي. ولاشك أن الاستمرار بنهج الاتكال الكلي على إمكانيات المؤسسات المعنية والخيرية، وما تقدّمه للمواطن، هو خط قاتل للجهود المبذولة في مشروع الإنقاذ المعيشي، ومن الضروري تفعيل المبادرات الذاتية الإنتاجية داخل المجتمع. وفي المقابل، على أصحاب رؤوس الأموال المشاركة بقوة في عمليات الإنقاذ الحياتي، بحيث يكون هناك عمل جماعي للخروج من أزمة الواقع المعاشي الحالي بأسلوب اقتصادي جديد ومتوازن، وقائم على أسس اجتماعية عنوانها العريض الاحترام والتكافل الاجتماعي الذي نحن بأمس الحاجة له من أجل العبور إلى المرحلة القادمة من بوابات التشبيك المجتمعي في جميع المجالات؟
بشير فرزان