أمريكا.. العنصرية تتصاعد بعد كورونا
بعد دعوة غربيين لإجراء اختبار للقاح ضد فيروس كورونا في الدول الإفريقية، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن رجلين من أصول إفريقية طردا من محل للتسوّق بمدينة ناشفيل عاصمة ولاية تينيسي، لأنهما ارتديا كمامتين ملونتين، وأضافت: إن هذه الحادثة أثارت قلقاً لدى الملونين في الولايات المتحدة من أن يتكرّر الأمر معهم، ما يدل على تصاعد العنصرية في المجتمع الأمريكي.
وقال كيب ديغز أحد المطرودين: إنه ارتدى، قبل توجّهه إلى مركز التسوّق، منديلاً أزرق فاتح اللون مناسباً لقبعة البيسبول الخاصة بجامعة نورث كارولينا، وغطى به أنفه وفمه، وأضاف: “أنا رجل أمريكي من أصل إفريقي، ويجب أن أكون على دراية بالأشياء التي أقوم بها وأين أذهب، لذلك فإن المظاهر مهمة”.
يذكر أن تقريراً جديداً أشار إلى أن ملاحقة الشرطة للشبان من أصول إفريقية ممن يرتدون أقنعة أثناء التسوّق، زادت من المخاوف بين هؤلاء الأشخاص خشية التعامل معهم كمجرمين أو منتمين للعصابات إذا اتبعوا المبادئ التوجيهية الفيدرالية التي تنصح الأمريكيين بتغطية وجوههم لإبطاء انتشار كورونا.
وفي تعليقه على طرد الرجلين قال هاردي ديفيس جونيور عمدة أوغستا، ورئيس جمعية العمد الأمريكيين الأفارقة: “هذا برميل بارود ينتظرنا.. هناك معدلات إصابة عالية بين الأفارقة الأمريكيين في شيكاغو وديترويت، وهذا آخر شيء نحتاجه للتعامل مع هذا الوباء”.
وفي هذا السياق، أظهرت الإحصاءات أن الأميركيين من أصل أفريقي يصابون ويموتون بمعدلات أعلى من الأعراق الأخرى. هذا ما أظهرته البيانات في عدد من المدن والولايات، على الرغم من تعمّد بعضها عدم إدراج العرق في إحصاءات الإصابات والوفيات بمرض “كوفيد – 19″، كي لا يظهر جلياً ارتفاع نسبة الإصابات والوفيات بين السود.
ووفقاً لتحليل لصحيفة “واشنطن بوست” للبيانات المبكرة من الولايات في جميع أنحاء البلاد، بدا أن الفيروس يصيب ويقتل الأميركيين من أصول أفريقية بمعدل مرتفع بشكل غير متناسب. وقد أدى هذا التفاوت العنصري الصارخ إلى الاعتراف بالمخاطر المتزايدة على الأميركيين الأفارقة وسط تزايد المطالب بأن ينشر مسؤولو الصحة العامة مزيداً من البيانات حول عرق المرضى والنزلاء في المستشفيات والموتى بسبب العدوى، التي قتلت أكثر من 12000 شخص في الولايات المتحدة.
ويظهر التحليل اللاحق للبيانات المتاحة والتركيبة السكانية أن المقاطعات ذات الأغلبية السوداء لديها ثلاثة أضعاف معدل الإصابة بفيروس كورونا وحوالى ستة أضعاف معدل الوفيات في مقاطعات يكون السكان البيض هم الأغلبية فيها. فميلووكي، في ولاية ويسكونسن، وهي واحدة من أكثر المدن التي تتعرض للتمييز العنصري في الولايات المتحدة، فقد شكّل الأميركيون من أصل أفريقي ما يقرب من نصف حالات الإصابة في مقاطعة ميلووكي البالغ عددها 1000 حالة حتى يوم الجمعة الماضي و81٪ من حالات الوفاة الـ27، على الرغم من أن السود يشكلون 26٪ فقط من السكان هناك.
وهذا التفاوت مماثل في لويزيانا، حيث كان 70 في المائة من الأشخاص الذين ماتوا بسبب مرض “كوفيد- 19” من السود، على الرغم من أن الأميركيين الأفارقة يشكّلون 32 في المائة فقط من سكان الولاية. وقد وقعت حوالى 40٪ من وفيات فيروس كورونا في منطقة نيو أورليانز، حيث غالبية السكان من السود.
وفي ميشيغان، حيث سجّلت 845 حالة وفاة، يمثّل الأميركيون الأفارقة 33 في المائة من الحالات وحوالى 40 في المائة من الوفيات، على الرغم من أنهم يشكّلون 14 في المائة فقط من السكان. بينما يمثّل السكان البيض حوالى 23٪ من الحالات المسجّلة في ميشيغان و28٪ من الوفيات.
وفي ولاية إلينوي، يوجد تفاوت مطابق تقريباً لميشيغان على مستوى الولاية، لكن الصورة تصبح أكثر وضوحاً عند النظر إلى البيانات من شيكاغو فقط، حيث توفي السكان السود بمعدل ستة أضعاف معدل السكان البيض. فمن بين 118 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها في المدينة، كان ما يقرب من 70 في المائة من السود. وأكدت إحصائيات مسؤولي الصحة في شيكاغو إصابة عدد كبير من الأميركيين الأفارقة بفيروس كورونا. إذ يمثل السود نصف حالات المرض في المدينة وأكثر من 70٪ من الوفيات، على الرغم من أنهم يشكلون فقط 30٪ من السكان.
وفي واشنطن العاصمة، نشر مسؤولو المقاطعة هذا الأسبوع بيانات عن العرق لأول مرة، تظهر أن المرض قتل أفارقة أميركيين بأعداد كبيرة بشكل غير متناسب. كان ما يقرب من 60 في المائة من القتلى الـ22 في المقاطعة من السود، لكن الأميركيين من أصل أفريقي يشكلون حوالى 46 في المائة من سكان المدينة.
ويعلّق الدكتور كاميرون ويب، وهو طبيب أميركي من أصل أفريقي يترشّح للكونغرس في ولاية فرجينيا، لقناة “بي بي سي نيوز”: إن الوباء “يكشف حقاً خطوط الصدع في مجتمعنا”، فيما قالت لجنة المحامين، في رسالة إلى وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس عازار، إن “الافتقار المفزع للشفافية والبيانات في إدارة ترامب يمنع مسؤولي الصحة العامة من فهم التأثير الكامل لهذا الوباء على مجتمعات السود والمجتمعات الأخرى الملوّنة”.
وأشار خبراء الصحة العامة إلى أجيال من التمييز وانعدام الثقة بين المجتمعات السوداء ونظام الرعاية الصحية. ومن المرجّح أن يكون الأميركيون من أصل أفريقي غير مؤمن عليهم ويعيشون في مجتمعات ليس فيها مرافق رعاية صحية كافية. ونتيجة لذلك، تم تشخيص السود تاريخياً بشكل غير متناسب بالأمراض المزمنة مثل الربو وارتفاع ضغط الدم والسكري، وهي ظروف كامنة يقول الخبراء إنها تجعل فيروس كورونا أكثر فتكاً.