مانو ديبانغو .. وثلاثة كيلوغرامات من البن!!
لم يكن يدري الشاب اليافع الذي انطلق من الكاميرون على متن السفينة وبقي ثلاثة أسابيع في عرض البحر ليصل إلى مرسيليا في فرنسا، ويحمل في حقيبته ثلاثة كيلو غرامات من البن هدية إلى العائلة التي تستضيفه، أنه سيصبح أسطورة الأفرو – جاز العالمي وعازف الساكسفون الشهير.
والمدهش أن الثلاثة كيلو غرامات من البن التي كان ثمنها باهظاً، آنذاك، نتيجة الأوضاع السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، اختارها فيما بعد مانو ديبانغو الذي وصف نفسه بأنه “بان للجسور بين الغرب وإفريقيا”، لتكون عنوان مذكراته لرحلته الطويلة مع موسيقا الجاز التي عبّرت بداية عن هواجس الزنوج ومعاناتهم بوقع إيقاعاتهم وطبولهم، ثم غدت نوعاً من الأنواع الموسيقية. وتشاء الأقدار أن يكون من ضحايا وباء كورونا فتوفي منذ ثلاثة أسابيع في الرابع والعشرين من 2020 في باريس التي تعلم فيها الموسيقا وانطلق منها.
والأمر اللافت عناوين الألبومات الكثيرة التي أصدرها ديبانغو والتي حمل بعضها عناوين شائقة توحي بعناوين قصص قصيرة “ذهب واضح- سفير- صورة ذاتية – ديسكو دور”.
وكما يقول في مذكراته بأنه نشأ نشأة دينية وأصغى في كنيسته البروتستانتية إلى الموسيقا، إذ ولد في عام 1933 في الكاميرون والده موظف حكومي وعضو في المجموعة العرقية ياباسي، ووالدته تدير جوقة الكنيسة ومصممة أزياء، وعمه كان يعزف على الهارمنيوم، عاش مع عائلته بالقرب من نهر ووري وسط مدينته دوالا، فتعلم عادات ياباسي، سافر إلى فرنسا في الخامسة عشرة من عمره، وبدأ بدراسة المندولين والبيانو الكلاسيكي والفايبروفون، وتعرف إلى آلة النفخ الخشبية الساكسفون في عطلة مخيم صيفي لترافقه طوال العمر، وحينما رسب في شهادة الثانوية، سافر إلى بروكسل ليعزف منوعات”كان ينبغي العزف في الحانات والحفلات الراقصة والسيرك” وكانت بلجيكا منعطفاً هاماً في حياته إذ التقى بأهم شخصيتين في حياته كما كتب، ماري جوزيه المعروفة ب”كوكو” التي تزوجها، وجوزيف كاباسيلي قائد أوركسترا موسيقا”إفريقيان جاز” وبعد ثلاث سنوات عاد إلى باريس وعمل عازفاً مرافقاً للبيانو لمغني الروك ريك ريفرز وعازف أرغن وقائد أوركسترا.
في عام 1949 دخل في فرق عدة وأسس فرقته الخاصة عام 1963 ثم أصدر ألبومه الأول الذي حمل اسمه في عام 1968، إلى أن غيّرت حياته أغنيته القدرية”سول ماكوسا” التي أخذ فيها لحن الساكسفون الدور الأساسي مع مرافقة الإيقاع وتكرار مفردة “ماكوسا” وتعني بلغة الكاميرون “ارقص”، وقد حققت شهرة عالمية في بداية السبعينيات وأصبحت الأغنية الأشهر لمنتخب الكاميرون لكرة القدم في كأس الأمم الأفريقية، كما أثرت في أغنيات الموسيقا الشعبية، وأخذ مقتطفات منها بعض الموسيقيين مثل مايكل جاكسون ولجأ ديبانغو إلى القضاء. ومن خلال موسيقاه طوّر أسلوبه الموسيقي بدمج الجاز والفانك والموسيقا الكاميرونية التقليدية وأضاف إلى الموسيقا الشعبية، فقال عن موسيقاه: “أتمتع بإيقاع باخ وهاندل في أذني مع كلمات كاميروني”
أصدر ألبومه الأخير عام 2013 وحمل عنواناً شائقاً مثل أغلب عناوين ألبوماته”نزهة على الساكسفون”.
كان عضواً في مجموعة الرومبا الكونغولية وتعاون مع عدد من الموسيقيين، منهم فيلا كيوت ودونا شيري، وأقام عروضاً في مسرح أبولو ملتقى الموسيقا الأمريكية السوداء.
شغل منصب أول رئيس لشركة الكاميرون الموسيقية، وفي عام 2004، تم تعيينه فنان اليونسكو للسلام، وكرّمته في عام 2016 المنظمة الدولية للفرانكفونية بلقب الممثل العام الخاص لفرانكوفونيا- الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين.
شاركت موسيقاه بالموسيقا التصويرية وفرض وجوده العالمي رغم التمييز العنصري، ومن المؤسف أنه كان من ضحايا كورونا.
ملده شويكاني