المتوالية الهندسية تسيطر على وضع المواطن في ظل الأعذار والمبررات لفوضى أسعار الأسواق المحلية.. فأين مربط الفرس؟!
دمشق – ميادة حسن
لم نعد نابه كثيراً بما تنجزه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ولعلنا مللنا قراءة الضبوطات اليومية، وسلسلة المخالفات التي تنشر على كل الصفحات لتبين لنا الوزارة همتها العالية، ولكن ما لا يعلمه المعنيون فيها أن تلك الحملات النابليونية على المحلات والتجار والأسعار باتت تهمة تدين الجميع، وتشير بأصابع الاتهام إلى فساد فاحش يجول بين من “يحمي” المستهلك وبين من يتلاعب بلقمة عيشه من تجار ومستوردين ومهربين، وإذا أردنا التحدث بثقة أكبر علينا أن نعترف بأن المواطن خرج من دائرة الصد والرد ما بين فاسدين ومحتكرين، فهو بكل الأحوال الحلقة الأضعف، فإذا تراضى الأطراف سيقع الظلم عليه، أما إذا اختلفوا فهو من سيدفع ثمن ردة الفعل المتعجرفة منهما إما باحتكار المواد أو بإيقاف بيعها!
وفرة المحاصيل
لا نريد توجيه الاتهامات نحو أحد، وإنما نتحدث عن منظومة فاسدة قد تكون هي من دفعت بعض أصحاب القرار في الوزارة للدخول بها، فالتجار لديهم أساليبهم الشيطانية في إيقاع أي مسؤول في شراك أموالهم، وحين إفلاته من هذا الفخ فإن من الضروري أن تكون هناك أساليب لعزله بتهمة ما، لذلك لابد أن نلجأ للقانون والأنظمة الأكثر دقة في تفنيد الواقع ودراسته بما يتناسب مع حقيقة عمل حماية المستهلك وأدائها.
يرى رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو أن الأسعار في الأسواق لا تتناسب أبداً مع كم المنتجات الزراعية لدينا، فالمحاصيل جميعها تشهد وفرة كبيرة تستطيع تلبية احتياجات المواطن، خاصة بعد الدعم الحكومي الذي قدمته الحكومة للفلاحين، ما ساهم في تنمية واضحة لهذا القطاع في العملية الإنتاجية، ومستلزمات الري وغيرها، أما بالنسبة للثروة الحيوانية فهناك مشكلة باستيراد الأعلاف للدواجن التي سببتها الظروف الصحية العالمية، ما جعل سعر الفروج يرتفع، أما بالنسبة للأبقار والماعز والأغنام فمؤشراتها جيدة، خاصة في البادية، حيث النمو متصاعد للقطعان ومنتجاتها، وعلى خلاف ما يروى عن سوق الهال يجد كشتو أن أسعار الجملة منطقية، لكنها تصل إلى المستهلك بأضعاف سعرها الحقيقي، وهذا يعود لحلقات الوساطة التي تمر بها السلعة، ويتم إلقاء الاتهامات ما بين بائع الجملة والمفرق، ويبقى المنتج والمستهلك هو المتأذي الوحيد من ارتفاع الأسعار .
تكاليف منظورة
إلى الآن لم يشهد شاهد من أهله، حيث مازالت الوزارة تشيد بضبوطها وحملاتها، إذ يؤكد معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب أن السلع الزراعية ترتبط أسعارها بالعرض والطلب، وبمواسمها التي تنتج فيها، كما تؤثر الظروف المناخية على أسعار المنتجات وكمياتها، وأنه لا يمكن أن تكون في الأسواق أية منتجات زراعية مصدرها غير محلي أو من مصدر خارجي، فالمنتجات محلية بامتياز، ويرجع شعيب ارتفاع السلع المتبقية إلى الحلقة المفقودة بين المنتج وتكاليف الإنتاج المرتبطة بسعر الصرف، والحلقات التي تمر بها لتصل إلى المستهلك، وهنا تعمل الوزارة على إيجاد صيغة جديدة في دراسة التكاليف المنظورة وغير المنظورة للمنتجات الصناعية الغذائية وغيرها، وتم إلغاء الاستثمارات في السورية للتجارة من أجل السيطرة على أسعار الخضروات والفواكه والسلع المختلفة.
متوالية هندسية
لن نتجاهل عمل أحد، ولكن ماذا يقول حال شارعنا وحال مواطنين أجهدتهم أسعار السورية للتجارة التي يجب أن تقوم بدورها في كسر الاحتكار وخفض الأسعار، فمن يراقب صالاتها المختلفة الممتدة في كل المحافظات يعلم جيداً آلية العمل بها، ولم تعد المبررات مقبولة ولا الحجج التي بتنا نعرفها ونكتشفها قبل أن تقال، وبالعودة إلى الاختصاصي الاقتصادي فادي عياش فإن المشكلة بالنسبة له ترتبط بالقيم والمفاهيم والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها جميع الأطراف أثناء الأزمات والحروب، فالجميع يحاول انتهاز الفرص الممكنة لتخزين أكبر عدد من السلع وبكميات كبيرة واحتكارها، ما يدفع الكثير من التجار إلى رفع الأسعار، وبالتوالي ترتفع الأسعار ويزداد الاحتكار، بمعنى آخر: إن السلوك غير الواعي للمستهلك يساعد برفع السعر، وقبول هذا السعر والطلب المتزايد يسبب بالضرورة الواقع الذي نعيشه حالياً، وبالمقلب الآخر لا يعي أي طرف أن فوضى الأسعار تعود سلباً على الجميع، ويبين عياش أن اتباع سلوك القطيع يؤدي إلى كلفة متوالية ليست عددية وإنما هندسية، أي التضخم بطريقة غريبة وغير منطقية، أما بالنسبة إلى دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فهي تقوم بدور هام وأساسي في تلبية حاجة المستهلك في ظروف عالمية مضطربة، بالإضافة إلى الدعم المتواصل لتلك السلع، ويبرز دور المؤسسات في كسر احتكار السلع، ومتابعة التجار، وكشف المستودعات التي تقتنص المناسبات لرفع الأسعار، ومحاولة تأمين بدائل السلع المفقودة في الأسواق، حينها لا يرى التاجر جدوى من تخزينها واحتكارها، ويتابع عياش: كل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتعاون مع المواطن الذي بدوره يجب ألا يجري خلف السلع وتخزين كميات كبيرة منها، والابتعاد عن خلق بعض الأزمات كالطلب المتزايد على السلع لمجرد الشعور بالخوف من فقدانها، أو نتيجة الإصغاء للشائعات وغيرها.
كلمة حق
اختلفت الآراء بين واقع مؤلم لأسعار المنتجات الزراعية وغيرها من مواد أساسية، ومبرر لهذا الواقع، ولكن مازال المؤكد في كل هذه الآراء أن على الجهات المعنية إيجاد الصيغة المناسبة لتنظيم عمل التاجر المتهم بالاحتكار، والمواطن الذي يسعى لتأمين لقمة العيش، ولأن المواطن هو بوصلة المعنيين وبعض أعضاء غرف التجارة، لابد أن نرى بعينه ولسان حاله على أنه ضحية ما بين منتج وبائع.