ارحموا المشاهد.. أرجوكم!!
دخلنا شهر رمضان، شهر السباق الدرامي المعهود والمعتاد وكنا نظن أننا على موعد مع كم كبير من المسلسلات النخبوية حيث يتنافس النجوم وشركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية عبر تقديم أفضل الأعمال الدرامية التي سيتم عرضها، ولكن هذا كان في القديم، أما هذا العام فقد جسد فيروس كورونا البطولة في كل شيء حتى استطاع بقوته إيقاف العديد من الأعمال الدرامية التي كان من الممكن أن تنقذ الدراما من الانهيار الذي هي عليه الآن.
منذ أعوام قليلة كانت الدراما السورية مقاطعة من قبل القنوات الأخرى، وقد تم استدراك الموقف بمحاولات رقيقة العود هنا وهناك منها إحداث قناة “لنا” لعرض المسلسلات، فهل تكفي هذه “العطارة” لإصلاح ما يفسده دهر من التشرذم؟ إذ نجد أن الدراما السورية اليوم قد خرجت من هذه الأزمة، لكنها للأسف خرجت عن السيطرة وكأن المشاهد السوري كان ينقصه أزمة جديدة ومواجهة كارثة حقيقية، إذ وضعته الدراما أمام أزمة ليست على البال ولا على الخاطر، ولا ندري من سينقذه هذه المرة، فالحل بات صعباً جداً ومن المؤكد أن الوقت قد فات، لأن الدراما وصناعها احتلوا الشاشات، وحملت الأعمال من التفاهة ما يكفي لتكون مادة ثقيلة على عين المشاهد وروحه ترافقه في أيام رمضان.
دراما الموسم الرمضاني 2020 هي بمثابة أعمال “ضحك على اللحى”، سواء في الأعمال المشتركة أو الإنتاج السوري البحت، وهي أعمال لن تعلق بالذاكرة كما عودتنا سابقاتها أيام النهوض الذهبي للدراما السورية وزهوتها – إنما هي من أجل العرض فقط – فلم تستطع جمع أفراد العائلة أمام الشاشة في الفترة المسائية التي تلي فترة الإفطار، والتي تقوم بغالبيتها على عنصر الدراما، بل نجحت في إبعادهم كل البعد عنها، وفي أحيان اللجوء إلى الدراما الأخرى كالدراما المصرية.
فذاك عمل يُعرض وأصحابه معترفون حق الاعتراف أن هناك نقصاً في تصوير الأحداث بحجة أن الكورونا منعت التجمعات، وفي الوقت نفسه كانت قادرة على إنهاء بقية المشاهد ومن ثم تجميعها كيفما اتفق في مونتاج نهائي لإجبار المشاهد على متابعة عمل فيه الكثير من الأخطاء سواء في المونتاج أو السيناريو الناقص أو ضياع بوصلة الحبكة، ومهمة المشاهد تشغيل فكره وتخمين مايمكن أن يكون قد حدث، وكأننا أمام مسابقة لتجميع القطع التركيبية (البزل) لكن من نوع خاص، والحقيقة لو أن العمل تأجل عرضه كالكثير من الأعمال التي أجلت ليسحرنا بتفاصيله خارج السباق الرمضاني كان بالتأكيد أفضل من عرضه مع كل هذه الأخطاء.
رغم الحرب التي عاشها السوريون خلال الأعوام الماضية إلا أن الدراما كانت قادرة نوعاً ما على جمع الكثير من شتاتهم وشتات أفكارهم وتوحيدهم على قلب واحد في الكثير من الأحيان، وهناك عمل يعرض يستدعي الترحم على دراما الحرب التي ظهرت في هذه الفترة – يحمل عنواناً لأغنية جوليا بطرس “يوماً ما”، “وشتان ما بين الثرى والثريا” – يمكن تصنيفه من سلبيات دراما 2020.. هو فاشل حيث أن اللهجة التي يتكلم بها أبطاله الرئيسيون ليست اللهجة الغجرية ولا هي البدوية,, هي فقط لهجة غير متقنة، والتمثيل الذي لا يستدعي من الممثل إعطاء أي تعبير أو ردة فعل تجاه المشهد لتكون النتيجة أنه يصل إلى المشاهد بأسوأ صورة ممكنة. وعمل آخر اسمه يطلق على مدينة في لعبة ببجي التي سلبت عقول الكثير من الشباب، ويمكن تصنيفه تحت مسمى التهريج البذيء الذي يعتمد على كلمات نابية لم نعتد أن تصدر من الأفواه السورية التي ننتمي لمفرداتها.
الدراما السورية علمتنا – دون أي مبالغة – كل ما يمكن معرفته عن الحياة، وكانت جديرة بإعادة العلاقات العائلية من خلال شخصيات درامية كانت قريبة من الكثير من مفردات حياتنا، وهي التي علمتنا تاريخ سورية العريق وعرفتنا على شخصيات تاريخية، وعلى الكوميديا المميزة، سواء كانت سوداء أو غير سوداء. والغريب اليوم أن الارتباط الذي شكلته الدراما السورية في حياة الكثيرين في العالم العربي تغيرت أهدافه هذا العام، وهذا شي مؤسف للغاية، وبالتأكيد سينتهي بها المطاف إلى السقوط في الهاوية دون أي تبرير لإخراجها.
في فترة الحظر الصحي كانت جملة “مسافة أمان” من أكثر ماقيل في كل الإعلانات التي قدمت وكان الواجب الالتزام بها منعاً لانتقال الكورونا؛ وإذا اعتبرنا أنها جملة مهمة ومفيدة، يمكن القول أن مسلسل “مسافة أمان” – تأليف إيمان السعيد وإخراج الليث حجو – الذي عرض العام الماضي ويعرض في هذا الموسم أيضاً هو من أنقذ المشاهد من عدم الملل، ورغم التكرار إلا أنه حقق حضوراً مميزاً وحل ضيفاً جميلاً وخفيفاً هذا العام، ونحن لسنا بصدد الاتهام المطلق لكل الأعمال الدرامية للموسم الرمضاني الحالي، ولكن قليلة جداً هي الأعمال التي ينتظرها المشاهد بشغف كبير، لذلك ولأجل تاريخ هذا الإرث النبيل من دراما السوريين وأعمالهم الجميلة التي رسخت في الذاكرة.. ارحموا المشاهد أرجوكم!!
جُمان بركات