ثقافةصحيفة البعث

صديق الجميع

ليس نجما تلفزيونيا حسب المعايير التي يضعها “الرايتنغ” وجمهور الفانزات للنجومية هذه الأيام، لم يكن اسمه “تريندا” حتى اليوم الذي غاب فيه مرة واحدة، لتشتعل المنابر بصوره وعبارات الوداع الجنائزية التي ترافقت مع خبر رحيله، ومن الجميع.. لا بطولات مطلقة له، وإلى جانبه لم تقف حسناء ممشوقة القوام، كما أن صوره وأخباره الشخصية لا تتناقلها وسائط السوشال ميديا بمختلف أنواعها، فهو لم يسمح لها أن تنتهك حرمة هنا، أو تخترق خصوصية هناك.. مأمون الفرخ كان نجما من نوع مختلف، يمكن من باب التشبيه الخفيف الدم كخفة دم ولطف هذا الفنان النبيل، أن نشبه وجوده في الدراما المحلية كما التوابل في الطعام، يضفي نكهة مميزة من الدعة والألفة التي يستدعيها ظهوره في هذا العمل أو غيره، سواء كان حجم الدور كبيرا أو العكس، إنه من الفنانين الذين ارتبطوا بوجدان الجمهور السوري، وعقدوا معه حلفا مبرما على أن يبقوا يقدمون له الفرحة والمتعة والفائدة كما تقتضي مهنتهم الإبداعية، فهو على علاقة وثيقة مع جمهور التلفزيون بشكل خاص وبمختلف شرائحه منذ عقود، ليس بداية في مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” (1990) الأيقونة الدرامية التلفزيونية المحلية، مرورا بمسلسل “أبو كامل” (1993)، وشخصية “زكي” و”يوميات مدير عام” الجزء الأول (1995)، لتتوالى الأعمال الدرامية التي اشتغل فيها ووصل عددها لقرابة 100 مسلسل، ممتدة على سنوات خضراء من عمر الدراما المحلية، والتي عاصر هذا الفنان مختلف مستوياتها، من تربعها على القمة ثم بداية الانحدار، إلى ما وصلت إليه الآن.

ربت خشبة المسرح روحه وصقلت علاقته مع فن التمثيل، حتى صار مأمون الفرخ من الأسماء المسرحية السورية التي تجذب جمهور المسرح، قدم العديد من أهم الأعمال المسرحية المحلية “سكان الكهف”، “كاليغولا”، “المهرج” وغيرها، كما اشتغل فيما قدمه من أعمال درامية إذاعية، على جعل صوته هو صاحب الشخصية، وهذا ما كان له، فيستحيل أن يتوه متابع للإذاعة المحلية في معرفة صاحب الصوت، إن كان هو من يتكلم في عمل إذاعي ما.

لم تكن النجومية بهاجسها العجائبي الموجودة اليوم – كقاطع الطريق الذي يصبح بطلا – هي من تشغل بال مأمون زرقان الفرخ، بل كان تواجده بشكل دائم في المشهد الدرامي المحلي، سواء في مواسمه الكبرى (رمضان)، أو في بقية شهور السنة، وهذا جعل من حضوره ضروريا في أي عمل محلي – البيئة منها بشكل خاص – فهو بشكل ما يضفي شرعية درامية بوجوده على تلك الأعمال.. إنه أصيل في ذاكرة الجمهور، وهذا يعطيه أفضلية القبول الدائم، خصوصا وأنه يقدم الشخصية في أي عمل درامي بحرفية مشغولة بماء الذهب كما يقال، ومهما كان النوع، إنه فنان في رسم الضحكة على الوجوه، وهو بارع في جعل المآقي مالحة.

كان من اللافت فعلا، والمواسي بشكل أو بآخر، عبارات التعزية التي طافت وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الكثير من الفنانين السوريين بمختلف مشاربهم، والكثير من الجمهور المحب لهذا الفنان المميز.. الخبر كان صادما ومحزنا للجميع!! بالتأكيد، الحياة لا تقف عند ذهاب أحد أو دخوله في “عتمة خياله”، كما يصف الشاعر طلال حيدر الموت، لكن الأكيد أن الفسيفساء الدرامية المحلية خسرت من كمالها برحيل الفنان النبيل مأمون الفرخ، صديق الجميع.

مأمون الفرخ من مواليد دمشق في 1958، وفي 1982، أصبح عضوا في نقابة الفنانين. وتولى إدارة مسرح القباني قبل أن يصبح مديرا لمسرح الطفل والعرائس، كما حصل على درجة الماجستير من جامعة العلوم والتكنولوجيا، وله دراسات دارت حول “سيكولوجيا اللعب عند الطفل و”النص الموجه للطفل”.

تمّام علي بركات