أخبارصحيفة البعث

النفط الإيراني إلى فنزويلا والصين.. وتهاوي العقوبات الأمريكية

تقرير – سنان حسن:

شّكل وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى السواحل الفنزويلية ضربة كبيرة للغطرسة الأمريكية حول العالم، وأكد من جديد أن الشعوب عندما تمتلك قرارها الحر وتؤمن بقدراتها وإمكانياتها فإن أي قوة في العالم مهما بلغت من جبروت لن تقف في طريقها. وما يجري اليوم هو خير دليل على ذلك، فالتهويل الإعلامي الأمريكي، ومعه الإعلام التابع له في دول البترودولار، عن استعداد واشنطن لضرب الناقلات لم يستطع سوى زرع الوهم في عقول من يريد التلطي خلف العباءة الأمريكية لتحقيق مصالحه الضيّقة، فالناقلات تصل تتابعاً إلى المصافي والشواطئ الفنزويلية، والعالم يترقب نتائج هذا العمل على السياسات الدولية، التي على ما يبدو بدأت تتلمس طريق الخروج من عباءة الهيمنة الأمريكية وتتمرد عليها، وأن كل العقوبات القسرية والتهديدات لن تنفع في ثنيها عن رسم مسارات جديدة في العالم، واليوم ما تقوم به طهران وكركاس يؤكد ذلك.

في السابع عشر من شهر أيار الجاري، أعلنت وكالة فارس الإيرانية أن ناقلة النفط “فاكسون”، التي تحمل المشتقات النفطية الإيرانية عبرت مضيق جبل طارق باتجاه أمريكا الجنوبية، وفق بيانات متابعة خطوط الملاحة البحرية، ووفقاً للوكالة فإن هذه الناقلة تعد الرابعة بعد ناقلات “فورتشون” و”بتونيا” و”فورست” والتي تحمل شحنة من البنزين أو الديزل الإيراني تعبر مضيق جبل طارق، مشيرة إلى أن “أيا من هذه الناقلات لم تغلق أنظمتها لتحديد المواقع GPS، خلافاً للأسلوب المتبع  في تصدير النفط والمشتقات النفطية أثناء ظروف الحظر”.

وبالتالي، عندما قرّرت إيران، التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات لا شرعية بعد انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي الذي كفله قرار مجلس الأمن 2231 لعام 2015، كانت تضع في الحسبان أن الحماقة الأمريكية ستكون عائقاً أمام وصولها إلى شواطئ فنزويلا، التي تتعرّض هي الأخرى لحزمة من العقوبات والتدابير القسرية، بعد فشل محاولات خوان غوايدو في السيطرة على الحكم في كراكاس، كما فعلت مع ناقلة أدريان ودفعت سلطات جبل طارق لاحتجازها، ولكنها أصرّت على تحدي الحصار الأمريكي وإجراءات الحظر الأحادية. وبالفعل فقد أعلنت واشنطن، عبر مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، “أن الولايات المتحدة تدرس الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد قيام إيران بإرسال شحنة وقود إلى فنزويلا، حيث تعتبر واشنطن الشحنة الإيرانية إلى فنزويلا انتهاكاً لسياسة العقوبات التي تفرضها، والتي تتضمن حظراً على المعاملات التجارية مع شركة النفط الحكومية الفنزويلية بي دي في اس ايه، في حين ذكرت تقارير صحفية “أن البحرية الأميركية أرسلت أربع سفن حربية وطائرة من طراز “بوينغ بي. 8 بوسيدو” إلى منطقة الكاريبي”، ولكن بالرغم من ذلك فهذه الشحنات تواصل الوصول إلى فنزويلا، فبعد “فورتشن” وصلت ناقلة النفط الإيرانية الثانية “ذي فورست” إلى سواحل فنزويلا، ولم تستطع أمريكا أن تفعل شيئاً لمنعها من ذلك، رغم كل التهويل والوعيد.

وفي هذه السياق يقول المحلل خوسيه تورو هاردي، الرئيس السابق لشركة النفط الحكومية في فنزويلا، إن إيران “تتحدى” الولايات المتحدة بإرسالها السفن النفطية عبر المحيط الأطلسي.. وهذا يُفهم على أنه مؤشر ضعف لإدارة الرئيس دونالد ترامب”، وهذه هي الحقيقة أن إدارة ترامب ضعيفة وليس بمقدورها أن تفعل شيئاً حتى لو وصل الأمر إلى القرب من منطقتها الإقليمية أو ما يسمى حديقتها الخلفية، فهل سيتوقف الأمر عند هذا الحد أم انه سيقود إلى أفعال أخرى؟.

بالتوازي مع وصول الناقلات إلى فنزويلا تمّ تداول أخبار في طهران أيضاً عن توجه ناقلتين تحملان نفط خام إلى الصين، وفي حال صحت المعلومات يعني أن محاولات أمريكا تصفير الصادرات النفطية الإيرانية قد ولّى إلى غير رجعة، وفي الحالة الصينية أيضاً يؤكد أن التحذيرات التي أطلقتها واشنطن لبكين لم تردعها لمنع شراء النفط الإيراني، وهذا مؤشر جديد على ضعف الإدارة الأمريكية، وما نشرته صحيفة غلوبال تايمز الصينية، أمس، على “أن الولايات المتحدة تقلصت قدراتها وضعفت بشكل كبير على التدخل في شؤون الدول الأخرى” ما يدلل لذلك.

وعليه إن العقوبات القسرية التي اعتمدتها الولايات المتحدة وفق برامج طويلة الأمد ضد إيران وفنزويلا وروسيا وسورية وكوريا الديمقراطية وكوبا وغيرها من الدول على مدى خمسة عقود من الزمن، لم تعد ذات جدوى أولاً: مع إصرار الدول الواقعة عليها العقوبات على كسر هذا القيد والتخلص منه، وثانياً: وهو الأهم هو الوهن الذي تعيشه أمريكا بسبب السياسات التي تنتهجها الحكومات المتلاحقة، والتي دفعتها في كثير من الأحيان إلى التهديد بفرض عقوبات على حلفائها المقربين، سواء في الاتحاد الأوربي لمنعه من تنفيذ التزاماته مع إيران، أو من التعامل مع روسيا، أي أنها حتى نفوذها على حلفائها قد تلاشى تدريجياً، والحال فإن وصول نجاح طهران في إيصال ناقلات نفطها إلى فنزويلا هو مؤشر جديد في تعاطي الدول مع العقوبات القسرية الأمريكية ومع غطرسة واشنطن وتفردها في قيادة العالم، وان ما حصل سيشجع دول غيرها على كسر هذه العقوبات دون الخوف من التهويل الأمريكي.