إن خرجت منها بسلام!
قبل كورونا كنت متأكدة أنني سأموت إما بنوبة إنسانية عالية الشدة، أو بمضاعفات الضجر، لذا لم أخش قدوم الحرب يوماً، لم يقض مضجعي القلق الوجودي أبداً، ولطالما تجاهلت الأخبار الصحية وكيفية الوقاية من مسببات السمنة وأمراض القلب وما شابه، ولم أتناول ملعقة عسل لغاية صحية حتى هذه اللحظة.
بعد كورونا سيئة الذكر ومجازرها التي غزت كل جهات الأرض، تحولت لقطة خائفة استهلكت ست أرواح ولم يبق بحوزتها سوى روح واحدة وحيدة، ولأن لغريزة البقاء فعلها الفاعل ودافعها الخفي، أستيقظ كل صباح “قبل الشحادة وبنتها” لأتصفح أنباء اكتشاف لقاح مضاد للفيروس، وأحيط نفسي وأولادي بوابل من النذور علنا ننجو من هذا الوباء.
إن نجوت من كورونا سأعمل جاهدة على مراسلة أصدقائنا الصينيين، وسأحاول إقناعهم بأن شوربة العدس والملوخية والمقلوبة أفضل وأشهى بكثير من حساء الخفافيش الذي يفضلونه.
إن نجوت من كورونا، سأقبل دعوة جيراني على المتة والقهوة وحتى الغداء، فقبل كورونا كنت انطوائية نوعا ما، حتى كانوا يعتبروني خالية من الود، وسأحذف من حياتي ما يسمى مسافة أمان، كي أبدو أكثر إحساساً وحماساً وتفاعلاً مع الآخرين.
قبل كورونا لم أكن مدخنة، وإن نجوت من لعينة الذكر، سأدخن من باب الترفيه والمجاملة لكل مدخني العالم، وسأبدو جداً طبيعية لو فعلها أحدهم وعطس بوجهي لاسمح الله سأقول له “يرحمكم الله”.
سأتصدق بألف ابتسامة في اليوم، سأبتعد عن كل نقاش يجلب العداوات كالحديث عن الدين والسياسة مثلاً، سأفعّل الأمثال الشعبية وأنتقي العبارات التي تبديني محايدة ومسالمة وقريبة من الجميع، لن أسخر من أحد وسأحب لغيري ما أحب لنفسي، وأكظم غيظي ونفسي إن لزم الأمر، وأتعلم العد للألف بدلاً من العشرة.
إن خرجت بسلام، سأشجع أي ناد رياضي.. المهم أن أجعل ابني سعيداً بذلك رغم كرهي الشديد لكرة القدم. سأعتذر لأولادي عن إضاعة أي فرصة للعناق واللعب معاً، سأقرأ كل الكتب التي في مكتبتي وخصوصاً التي تحمل إهداءات حميمة، وسأرد عليها بانطباعات إيجابية بغض النظر عن مضمونها إن كان جيداً أو سيئاً.
إن خرجت بسلام، لن أخذ الدنيا على محمل الجد، سألتمس مئة عذر لأخي المسلم وغير المسلم، سأكتشف فوائد جديدة للقهوة والبرغل والفيس بوك.
إن خرجت بسلام، سأفضل الموت من الضحك على أي ميتة ثانية، وسأخبر كل الذين أحبهم بأنني أحبهم بلا أي خجل أو تردد: أنا لا أهذي ولا أخلط ماء وزيتاً.. أنا فقط ألتمس بعضاً من الحياة.
لينا أحمد نبيعة