“نزرع ونصنع ونوجد بدائل وندير موارد”.. أولوياتنا للحد من تداعيات “قيصر”!؟
ثمّة إيمان راسخ لدى الأمم، حول العالم، بالمثل القائل “الضربة التي لا تميتك تقويك”، وإن اختلفت رؤية كل أمة لطبيعة ومقومات القوة! في ظروف الحصار الغربي الجائر الذي تتعرّض له البلاد، وما أتبعته الولايات المتحدة الأميركية في أحدث نسخة من هذا الحصار “قانون قيصر”، ثمة ما يجب فعله لمواجهة هذا “القيصر”، والحدّ من تداعياته على الاقتصاد الوطني إلى أدنى حدود ممكنة، فما السبيل إلى ذلك؟
لنصنع!!
يستدعي الحصار الاقتصادي الاهتمام بالصناعة وتدعيم بنيتها التحتية، كما يقول الصناعي عاطف طيفور الذي يرى أن البلاد باتت بحاجة لكل آلة منتجة، ولدعم المناطق الصناعية المدمّرة لتعود إلى العمل فوراً، كمنطقة القابون الصناعية قرب دمشق ومناطق حلب الصناعية. ولا بد من توزيع المدن الصناعية لحمايتها من المخاطر المختلفة، ولتكون قريبة من محيط المدن الكبرى، بحيث يسهل توفير المحروقات والمواصلات لها، وتوفير المنتج للمستهلك بأقل التكاليف، فالصناعة ليست فقط خبرة فنية وحسب، إنما إدارية أيضاً، وهنا تأتي مهمة الحكومة في توفير البنية التحتية والبيئة التشريعية المناسبتين. وهكذا يصبح الحلّ بيدنا، ويمكننا تحويل التأثيرات السلبية إلى إيجابية، وتعزيز الصمود الاقتصادي عبر صناعة الجرارات والإطارات والمحركات والآليات الزراعية بأنواعها كافة.
.. ولنزرع!!
ويلفت طيفور إلى أن هذه العقوبات قد تجعل من سورية بلداً مكتفياً ذاتياً في القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، ولاسيما إذا أحسنت إدارة الموارد بشكل متقن وصحيح، من خلال التعاون والتشاركية بين الأفراد والحكومة، مع التركيز على الرقابة والشفافية – كما وجّه سيد الوطن – فالاقتصاد اليوم بحاجة لاكتفاء ذاتي وفائض صناعي وزراعي، وهذا لا يتحقق بتقنين الاستيراد، وتقنين استنزاف الخزينة والقطع وحسب، وإنما بتقنين التصدير أيضاً، فالبلاد اليوم بحاجة ماسة لكل مادة زراعية وصناعية، وهي أهم من القطع الأجنبي التصديري، لذا مطلوب التوازن بين الفائض والتصدير.
هكذا، فإن الاقتصاد بحاجة لزراعة كل شبر من الأراضي السورية، وتشجيع الزراعة ودعمها، وتقديم أراضٍ بإيجارات طويلة الأجل، إضافة لتشجيع زراعة المحاصيل المستوردة، كالعلف والبن والشاي والهال والمتة.. وغيرها، والأهم هو الانتقال من السماد الكيميائي الذي يستنزف الموارد، إلى العضوي المجاني الذي يطرح البركة في الأرض والمزروعات، ويطورها ويوفر على الخزينة تكاليف المحروقات والقطع الأجنبي.
.. لنحلّ البدائل!!
إذا كانت السياسة الرامية لإحلال بدائل المستوردات، قبل فرض قانون قيصر الظالم والجائر، نوعاً من التخطيط والدراسات القابلة للأخذ والردّ والتعديل، فإنها أصبحت الآن ضرورة عاجلة وملحة، كما يقول رجل الأعمال محمد حسام السراج الذي شمل مؤخراً مشروعاً لإنتاج حليب الأطفال الرضع، كأول مشروع من نوعه في سورية، لافتاً إلى أهمية هذا المشروع في تأمين احتياجات هذه الشريحة من الأطفال، وذلك بالنظر إلى الزيادة الهائلة في أسعار مثل هذه المنتجات، داعياً إلى التفكير الجاد والمعمّق من الخبراء والدارسين ومراكز البحث لإيجاد بدائل لكل السلع المستوردة، ضمن الإمكانات والقدرات الفنية للكوادر الوطنية، وتحفيز كل منشأة تستطيع طرح بديل محلي لمنتج كانت تستورده قبل فرض هذا القانون وغيره من العقوبات الغربية والأميركية، التي تستهدف لقمة عيش السوريين وحياتهم ورفاههم.
تبدأ وتنتهي بالزراعة!
“كلّ تنمية تبدأ وتنتهي وتستمر بالزراعة”، بهذا الطرح يلخّص الخبير الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة أهمية الأولوية التي يجب أن تُعطى لهذا القطاع، نظراً لأنه داعم رئيسي للأمن الغذائي، سواء مع العقوبات الاقتصادية أم من دونها، حيث تتيح هذه الأولوية تنشيط الصناعات الغذائية والتحويلية، بالتوازي مع تنويع فرص العمل، وامتصاص فائض العطالة، ما يساهم في تحسين المستوى المعيشي، وخفض معدلات الفقر، وتسريع الدورة الاقتصادية، وصولاً لتحقيق فوائض للتصدير.
ويتطلّب وضع الزراعة في صدارة اهتمامات الحكومة – وفقاً لقرنفلة – التوقف عن الطرق التقليدية في الإنتاج الزراعي، والاعتماد على أخرى حديثة تضمن زيادة مردودية وحدة المساحة، وتخفيض مدخلات الإنتاج من أسمدة وبذار وأدوية وغيرها، وكذلك الاعتماد على محاصيل الميزة النسبية كالأقماح القاسية وبعض الفواكه والخضار، وتعديل بعض الزراعات والمنتجات النباتية والحيوانية لتتناسب وأسواق التصدير.. كذلك تشجيع الإنتاج في الحدائق المنزلية وتربية الطيور وبعض الحيوانات، وذلك للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
إلى ذلك..
ليس أمام الاقتصاد الوطني سوى الاعتماد على موارد ذاتية لتأمين استقرار الأسواق، سواء في مواجهة العقوبات الاقتصادية أو الغلاء الحاصل، والذي بات حديث الشارع، فمتطلبات الصمود الاقتصادي، تستدعي الإسراع في البحث عن مكامن القوة في القطاعات غير المستغلة، وعلى وجه التحديد الزراعة والصناعة والنقل والسياحة، فسورية ليست البلد الأول الذي يعاني جور العقوبات الغربية والأميركية، بل ثمّة بلدان كثيرة استطاعت التغلب على مثل هذه العقوبات، وتحييد آثارها إلى أبعد مدى ممكن، فهل من قراءة مشابهة في تجارب الآخرين المماثلة؟
أحمد العمار
ournamar@yahoo.com