تحقيقات

التأخر الدراسي.. صعوبات تعليمية تؤدي إلى الفشل والحل بتعاون الأهل والمدرسة

تساؤلات كثيرة تثيرها العملية التعليمية لدينا، فلماذا نسب النجاح العالية في امتحاناتنا لا تعكس الدقة العلمية التي امتلكها الطالب وتمتع بها، بعد أن شهدنا خلال السنوات الطويلة الماضية ارتفاعاً نسبياً بمعدل نجاح الطلاب بالشهادتين الإعدادية، والثانوية؟.
يجيب الدكتور آذار عباس عبد اللطيف، كلية التربية، جامعة دمشق بأن النسب العالية لا تعكس مدى الاعتماد على قدرات الطلاب لتحقيق المعجزات، وبالتالي علينا البحث عن تفسير علمي وراء ارتفاع تلك النسبة، فالجلي والواضح أن نسبة ارتفاع معدلات النجاح تنشر بشكل عام، وعلى سبيل المثال نسبة النجاح بالشهادة الإعدادية بلغت (64.23%)، وهذا أمر مقبول، ولكن من الأنسب أن تصنف تلك النسبة وفق شرائح، بحيث يتفهم القارئ مباشرة نسبة الطلاب “ضعيفي” التحصيل الدراسي، ونسبة الطلاب “متوسطي” التحصيل الدراسي، ونسبة الطلاب الجيدين، والمتفوقين بشكل ينعكس في المستقبل على تحسن الأداء التعليمي والتربوي لدى طلابنا، ومن وجهة نظره التربوية يرى أن أفضل إنجاز يتم التوصل إليه جراء ذلك هو إعادة تكييف المناهج الدراسية بما يتوافق مع تلك الشرائح كافة، لأن المتتبع للمناهج الحالية يجد أن ثمة فجوة معرفية يواجهها ضعيفو ومتوسطو الأداء التحصيلي، الأمر الذي يدفعهم إلى التسرب إلى سوق العمل مبكراً، والشيء الأخطر في العملية التعليمية الذي يجب الانتباه إليه هو أن طالبنا يعتمد على الذاكرة قصيرة المدى.

أنواع ومسببات
ويتابع عبد اللطيف: إن من أبرز مشكلات التعلّم هو التأخر الدراسي الذي قد يكون مرضياً، وغالباً ما يكون علاجه صعباً، وهناك التأخر غير الطبيعي الذي يمكن علاجه بالوسائل التربوية العلمية، وهو ما يمكن أن تقوم به المدرسة بالتعاون مع أسرة الطالب، وهذا النوع من التأخر يمكن أن يكون في جميع الدروس، أو في بعضها، وقد يكون وقتياً، أو مستمراً، كما أن ضعف الثقة بالنفس، أو الكراهية لمادة معينة، أو كراهية معلم المادة بسبب سوء معاملته للطلاب، أو وضع التلميذ في البيت، والمدرسة، وعلاقته بوالديه، وإخوته، ومعلميه، وأصدقائه، أو كون التلميذ يعاني من عاهة، عوامل جميعها ذات تأثير سلبي مباشر في التأخر الدراسي لدى التلاميذ، وعلى ضوء دراساتها نستطيع أن نعالج التلاميذ المتأخرين دراسياً بالشكل المناسب، وأخطر ما يجب أن تجدر الإشارة إليه هو أن التأخر الدراسي لدى التلاميذ تصاحبه في أغلب الأحيان مشكلات كالهرب من المدرسة، أو حتى الانحراف نحو الجرائم من سرقة، واعتداء، ومخدرات، وغيرها، وذلك لأن التلاميذ الفاشلين في دراستهم يستجيبون أسرع من غيرهم لتلك الانحرافات بسبب شعورهم بالفشل، وعدم القدرة على مواصلة بناء مستقبلهم.

العلاج
إن معالجة مسألة التأخر الدراسي غير الطبيعي تتوقف على التعاون التام والمتواصل بين أسرة التلميذ، والمدرسة، وفقاً لما أكده عبد اللطيف، فعلى الآباء والأمهات استخدام الوسائل التربوية الحديثة القائمة على تفهم حاجات الأبناء، والإشراف على دراستهم، ومعرفة مشكلاتهم، ومحاولة تذليلها، ووضع الحلول لها، فالعائلة هي المدرسة الأولى التي تقوّم اعوجاج الطفل منذ نشأته الأولى، وبسهولة تامة كون سلوكه مازال غضاً، ولا يتوقف عمل البيت عند المراحل الأولى لدى الطفل، أو عند دخوله المدرسة، بل يستمر لسنوات طويلة، حيث يكون الأبناء بحاجة إلى خبرة الكبار دائماً، وعلى الأهل مراقبة أوضاع أبنائهم، وأصدقائهم، وإبعادهم عن السيئين منهم مباشرة، وتعليمهم كيفية قضاء أوقات الفراغ داخل البيت، والسمو بالدوافع، أو الغرائز التي تتحكم بسلوكهم، والعمل على كشف مواهبهم وصقلها، ومساعدتهم على تحقيق خياراتهم دون إجبار، أو اتباع الأساليب القسرية، ومساعدتهم على تنظيم أوقاتهم بين الدراسة والتسلية.
أما دور المدرسة فيكمن في إعداد أجيال المستقبل وإغنائهم بالمعرفة، وأدواتها، والعلم، والقيم لكي يتواصل تقدم مجتمعنا، والمجتمع الإنساني ككل، وبشكل يطور الأجيال، وعلينا في هذا الصدد الاهتمام بجميع ركائز المدرسة من معلمين، وإدارة، ومناهج، وأبنية، ووسائل تعليمية لكي تقوم المدرسة بدورها على أكمل وجه، ويرى عبد اللطيف أنه من غير المنصف تحميل المؤسسة التربوية كل المسؤولية فيما يتعلق بفشلها في تربية الأجيال تربية صالحة، لأنه ليس بمقدورها تصحيح وتقويم ما تسببه المؤسسات الأخرى، وفي مقدمتها الأسرة، من خلل في شخصيات وسلوكيات الأطفال، وإنما تقوم بالدور الأهم، والأكبر حينما تتعاون كل مؤسسات المجتمع في سبيل ذلك الهدف الذي نأمل ألا يكون بعيد المنال.

صعوبات القراءة
الدكتورة حنان الغوثاني، كلية التربية، جامعة دمشق، أوضحت أن صعوبات القراءة من أهم مشكلات التعلّم، فالقراءة أحد أهم مفاتيح المعرفة، والتعلّم، ويرى العديد من الباحثين أن مشكلات القراءة من أهم عوامل التأخر، والفشل الدراسي، كونها تؤثر في صورة الذات لدى التلميذ، وتضعف ثقته بنفسه، وتزيد من قلقه، وهناك أنواع عديدة من هذه الصعوبات من أبرزها صعوبات القراءة الجهرية التي تعتبر النوع الأكثر انتشاراً في مرحلة التعليم الأساسي، ويعاني منها عدد كبير من الطلاب، وهذا ما يجعلهم عرضة للصعوبات التعليمية الأكاديمية، وقد يعاني هؤلاء الطلاب من ضعف في الإدراك السمعي، والبصري، وضعف تلقي الحواس بشكل عام، والتمييز البصري بين شكل الحرف ولفظه، وموضع النقاط، واتجاه الحرف، ويكون الحل الأمثل بتعويض هذا النقص الإدراكي بمدرك آخر غير البصري كالمدرك اللمسي، من خلال تتبع التلميذ للأحرف باصبعه، وبشكل عام زيادة الاعتماد على الحواس المتعددة تزيد من التعلّم كون الحواس تعوض النقص الحاصل في أي منها دائماً، ويجب أن نصل بالتلميذ إلى التكامل الحسي للوصول إلى تلبية كامل احتياجاته من خلال تنويع نشاطاته كاللعب المنظم، وغيره من الأنشطة المدرسية، والمنزلية، وكل ذلك سيساعد الدماغ في تجهيز المعلومات الحسية وتنظيمها بشكل يحسن العمليات الإدراكية، والقدرة على التعلّم، وأكدت الغوثاني أن الأفراد الذين لديهم تكامل حسي تام ستكون لديهم القدرة على الإنجاز الأكاديمي أكثر من غيرهم، ويمكن علاج الطفل الذي يعاني من اضطراب في الحواس من خلال مجموعة من الألعاب والأنشطة التي يقررها ويغيرها المعالج التربوي، وأوضحت الغوثاني أنها قامت خلال نيل شهادة الدكتوراه بإجراء دراسة على مجموعة من التلاميذ في الصف الثاني الأساسي يعانون من صعوبات تعلّم القراءة بهدف رفع مستوى التحصيل العلمي لدى التلاميذ المستهدفين بالدراسة، وإيصالهم لمستوى أقرانهم، وتنمية التكامل الحسي لديهم، ومساعدتهم على التكيف السريع مع متغيرات البيئة المحيطة من جهة، ورفد دراسات صعوبات القراءة القليلة والنادرة في سورية بمعلومات جديدة، ولتعميم التجربة والاستفادة منها في معظم المدارس من جهة أخرى.

بشار محي الدين المحمد