الاختراعات الوطنية.. أفكار إنتاجية تنتظر التنفيذ وتبنٍ تجاري وصناعي للمستورد؟!
كثيراً ما نسمع عن أحد الاختراعات الوطنية ذات الأهمية العلمية والعملية المميزة، إلا أن معظمها يذهب مع الريح دون الاستفادة منها، أو حتى إلقاء الضوء عليها، علماً أننا في مجتمع يحتاج للأفكار العلمية والابتكارات والاختراعات لتحويلها إلى أجهزة مميزة تأخذ مكانتها في الأسواق المحلية والعالمية، وهنا لا ننسى تهافت التجار ودفعهم ملايين الدولارات من أجل استيراد سلع متدنية الجودة، ونشرها في أسواقنا لاستغلال عدم وجود مثيلاتها أو منافس لها، وبيعها على أنها نخب أول، في وقت يرفضون دعم أي اختراع أو ابتكار مهما كانت أهميته في تلبية متطلبات السوق، هذه عقلية تجارنا المغيبة عن عالم الاقتصاد الحديث، فهم مازالوا يعيشون تحت مفاهيم التخزين والتكديس والتحاذق على المستهلك، والصناعيون ليسوا أكثر تطوراً في هذا المفهوم، وبدورهم لا يدعمون أي اختراع مهما بلغت قيمته الإنتاجية، وهنا لسنا متأكدين تماماً إذا كان دعم الاختراعات وتحويلها إلى واقع سيضر بمصالحهم في الاستيراد.
عدم التعاون
لم تبخل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في محاولاتها الدائمة عبر مناسبات عديدة في دفع الاختراعات لديها من حالة التسجيل إلى حالة التطبيق والإنتاج، حيث أكد مدير حماية الملكية التجارية والصناعية شفيق العزب أن الوزارة حاولت جمع الفرقاء المرتبطين بهذا الموضوع عبر استغلال عدة مناسبات واجتماعات لجمع وجهات النظر حول الاستفادة من الاختراعات الموجودة، بالإضافة للتواصل المستمر مع غرف التجارة والصناعة، ولكن دون جدوى، ويمكننا القول إنها ترفض التعاون تماماً في هذا المجال، أو لعب أي دور نحو الاستفادة من الاختراعات، يتابع العزب: نقوم في كل عام ومن خلال معرض الباسل للإبداع والاختراع بحجز قاعة كبيرة في معرض دمشق الدولي يتم فيها لقاء مباشر ما بين المخترعين والمهتمين من صناعيين وتجار، مع شرح مفصل، خلال تلك الاجتماعات، عن الاختراع وميزاته وحداثته في الأسواق، ومدى أهميته في حال تنفيذه، والتكلفة، وغيرها من معلومات تساعد الموجودين لأخذ القرار في تبني المشروع، والى الآن لا يوجد لدينا أي متعاون منهم ليقدم الدعم للاختراعات، وهناك العديد من المؤشرات لعدم التفاؤل بتعاطيهم بشكل جدي مع براءات الاختراع، ومازلنا نحاول حتى الآن التشبيك مع جميع الجهات التي يمكن أن تقدم لنا خطوة أمامية لتطبيق مشروعاتنا العلمية.
ريادة الأعمال
معظم الدول التي تهتم برعاية الابتكار هي دول متفوقة اقتصادياً، ورائدة على الصعيد العالمي لصادراتها المختلفة، أهمها كوريا الجنوبية، واليابان، حيث تعتمد في دعم اقتصادها برعاية الابتكارات الجديدة وتطويرها وتبنيها لتتحول إلى سلع رائجة في الأسواق العالمية، وفي بحثنا عن الجهات المعنية بدعم المخترعين لدينا، اتجهنا إلى مدير عام هيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ايهاب اسمندر الذي أكد على التعاون ما بين الهيئة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر عدة نشاطات بهذا الاتجاه، منها المشاركة في معرض الباسل، حيث يقوم عدد كبير من المبتكرين، لاسيما طلاب الجامعات، بالمشاركة عن طريق الهيئة بعد تقديم حزمة متكاملة من الخدمات لهم مثل تطوير الدراسات الفنية عن الابتكار، وتطوير الدراسة التسويقية وأساليب العرض لتوضيح أصالة الابتكار ومدى إمكانيته، لاسيما على الصعيد التجاري، وقد تمت مشاركة أكثر من 70 مبتكراً ضمن الدورتين الماضيتين لمعرض الباسل، كما تساهم الهيئة في برنامج ريادة الأعمال بتقديم دعم خاص للمشروعات ذات الطابع الابتكاري، ويتم تنسيق هذا البرنامج بالتعاون مع الاتحادات المعنية مثل غرف الزراعة والصناعة حسب الحاجة، وتشير الإحصائيات إلى تجاوز المستفيدين ضمن الفئة الابتكارية إلى أكثر من ألف رائد أعمال ضمن برنامج ريادة الأعمال لدورات تدريبية، ودراسة جدوى وتسويق، بالإضافة إلى التشبيك مع مؤسسات التمويل، ومنح وثائق الجدارة والمتابعة الرقمية.
مؤشرات جيدة
يبدو أن العمل على تحويل الابتكارات إلى سلع إنتاجية في السوق المحلي بدأ حقاً رغم قلته، وهنا يضيف اسمندر: تشارك الهيئة بالورشة الوطنية لتعزيز المحتوى التي تنظمها الجامعة الافتراضية السورية، وتقوم الهيئة بمتابعة 24 ناجحاً فيها لتحويل المشروعات المقترحة من قبلهم إلى مشروعات واقعية، وحالياً تعمل الهيئة بالمشاركة مع الجمعية السورية لريادة الأعمال على رعاية إنتاج المنفسة السورية، ودعم السوق المحلي بها، كما يوجد مشروع مقترح بالتعاون مع بعض الجمعيات الأهلية، وبرنامج الأمم المتحدة لإقامة حاضنة خاصة بالمبتكرين تتضمن مخبر تصنيع، وطابعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى مساحات عمل حرة لرعاية أصحاب المواهب والمبتكرين، وسيتم خلال المرحلة المقبلة التنسيق مع إحدى مؤسسات التمويل الصغيرة لإقامة ملتقى للمخترعين الصغار والمستثمرين المهتمين، ويتابع اسمندر: الابتكار هو أساس لضمان النمو الاقتصادي، وبالتالي يمكن أن تساهم فيه جميع المؤسسات والجمعيات العلمية ووزارات الدولة، وهذا ما يدعونا لامتلاك خطة وطنية لتعزيز الابتكار ورعايته، وضمان الاستفادة منه بالشكل الأمثل، لأن طبيعة هذا العمل مركبة، مع الحاجة للكثير من الجهود في القطاعات المختلفة لتطوير تقنيات الإنتاج والدعم التمويلي، ورعاية المبتكرين وضمان حقوقهم، والعديد من الجوانب التشريعية والقانونية التي تساهم في دعم الابتكار والاختراع لدينا، ما يقتضي جهوداً على المستوى الكلي، واستمرارية العمل للوصول إلى الأهداف المطلوبة، ففي حال تطور الإنتاج من مخترعات قابلة للتسويق وتلبي حاجة السوق، سيتم استبدال المستورد، والاستفادة من الإنتاج الوطني بأسعار أفضل، ويمكن تحويل المخترعات إلى مواد قابلة للتصدير، وبالتالي ستساهم في زيادة الإنتاج المحلي خصوصاً.
ميادة حسن