ما الذي تفعله القوات الأمريكية في سورية؟
علي اليوسف
لم يقدم جيمس ماتيس على استقالته الشهيرة من منصب وزير الدفاع بسبب معارضته لأمر الرئيس دونالد ترامب سحب قوات الاحتلال الأمريكي من سورية، بل كانت بسبب معارضة ماتيس خطة اغتيال السيد الرئيس بشار الأسد. هذا التناقض الظاهري بين ماتيس “الصقر” و ماتيس “الحمامة” يمثل التناقضات الكثيرة في سياسة واشنطن تجاه سورية.
هذه التناقضات تعكس حقيقة السياسة الأمريكية التي كانت دائماً تتمحور حول تدمير الدولة السورية، بدلاً من هزيمة “داعش”، الذي دمره الجيش العربي السوري وحلفاؤه، والقوات العراقية، قبل وقت طويل من أمر ترامب بالانسحاب.
هذا التناقض يظهر في المبررات التي تقدمها واشنطن للوجود العسكري الأمريكي في سورية، ففي كل مرة يُقال أنهم موجودون لسبب واحد فقط ليتم بعد بضعة أشهر إعطاء سبب جديد، وهو الشيء الذي لم يلحظه الكثير من الشعب الأمريكي.
بدأت الإدارة الأمريكية كذبتها الكبيرة بضرورة هزيمة “داعش”، وبالفعل تمّت هزيمته لكن على يد الجيش العربي السوري وحلفائه، وفقدوا آخر معقل لهم في آذار 2019، والسؤال لماذا لا يزال الجنود الأمريكيون يحتلون أراضي سورية؟. هنا خرجت الكذبة الثانية بأنهم موجودون لمواجهة إيران التي، في الحقيقة، شاركت في تدمير “داعش”، وساعدت في حماية وحدة الأراضي السورية بطلب شرعي من حكومتها.
المضحك أنه قبل سنوات، كان القول السائد أنه من المهم التواجد في سورية لمواجهة روسيا أيضاً، لكن هذه المهمة اليوم – إذا أمكن تسميتها – ترقى إلى حادثة تصادم على الطرق التي تسير عليها وحدات عسكرية تمثل القوتين النوويتين في العالم، وهو ما أوجد ذريعة أو كذبة جديدة لتبرير قرار إرسال المزيد من القوات إلى سورية.
بعد ذلك خرج تبرير – كذبة- آخر هو أنه من المهم دعم الفصائل المحلية المسلحة، وذات مرة تم تداول أحاديث أن تدريب المقاتلين بكافة فصائلهم، وتجهيزهم أمر حيوي أيضاً للأهداف الأمريكية، لكن هذه الفكرة أدت إلى موقف محرج حيث كان “المسلحون” المفضلون في وكالة المخابرات المركزية يقاتلون “المسلحين” المفضلين لدى البنتاغون.
في الآونة الأخيرة، روج الرئيس ترامب لخطة “تأمين النفط” ومهدت إدارته الطريق أمام شركة أمريكية لإدارة بعض حقول النفط في سورية. استشهد ترامب بهذا كسبب للإبقاء على بضع مئات من القوات الأمريكية في سورية. وحقيقة الأمر هو أن ضمان وصول أمريكا إلى النفط السوري يتطلب مستوى معيناً من الأمن، وبشكل أكثر صراحة، فإنه يستلزم احتلالاً لا نهاية له لأراضٍ سورية. ولكن، من جميع الأسباب المذكورة أعلاه سيكون من الخطأ قبول أن النفط بمثابة المبرر الرئيسي للوجود الأمريكي في سورية.
دافع ترامب أيضاً عن قرار الاحتفاظ بوحدة صغيرة من القوات في سورية بالقول: إن “إسرائيل” والأردن طلبا منه إبقاء قواته هناك، وقد تم التأكيد على هذا التبرير في اجتماع حاشد أخير لترامب حيث صرح بشكل لافت: “الحقيقة هي، ليس علينا أن نكون في الشرق الأوسط باستثناء أننا نريد حماية “إسرائيل”. لقد كنا جيدين جداً مع “إسرائيل””.
ما الذي نفهمه من هذه الموجة من أسباب البقاء في سورية؟. السبب الرئيسي هو الانخراط في حملة “تغيير النظام”، وإبقاء سورية مقسمة وجعل السوريين يتحملون وطأة العقوبات عليهم. لهذا السبب قامت الولايات المتحدة في الأصل بتسليح الإرهابيين، بل وفرضت عقوبات اقتصادية “قيصر”، وأبقت وأرسلت قواتها لتحقيق أهدافها الحقيقية.
وبالنظر إلى كل هذه الأسباب معاً، لنفترض أن القوات الأمريكية متواجدة في سورية من أجل النفط، لكن في واقع الحال إن كمية النفط في سورية هي كمية جيدة بالنسبة للسوريين، إلا أنها ليست قريبة بما يكفي لتكون مصدر قلق حيوي للولايات المتحدة. ووفقاً لجمعية معلومات الطاقة الأمريكية، فإن كمية النفط في سورية ليست حتى 2٪ مما تفتخر به إيران أو العراق، ناهيك عن مكانة أمريكا كمنتج للنفط الأول في العالم.
وهذا هو ما يلفت النظر، إذ لا أحد من المبررات المذكورة بوجود القوات الأمريكية في سورية يتعلق بشيء حيوي لأمن الولايات المتحدة. إذاً هي واحدة من أكبر التناقضات في سياسة واشنطن تجاه سورية، وليست سبباً لوجود تلك القوات، ولكن الحقيقة أن القوات الأمريكية لم تغادر رغم أنه – على الأقل مرتين حتى الآن – كان هناك أمر بالانسحاب لم يتم تنفيذه.
حتى الآن تعرَّف سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية بالسخيفة بين أوساط المعتدلين، فهم ومعهم الكثيرون ومن بينهم مايكل آر هول مدير الاتصالات في “أولويات الدفاع” ومحلل جيوسياسي يقولون: “لا نحتاج إلى الاستمرار في لعب لعبة الروليت هذه حيث تدير واشنطن العجلة وتخبرنا عن سبب وجود قواتنا. مشاكل سورية ليست مشاكلنا والخيار المعقول الوحيد الذي يتوافق مع المصالح الأمريكية هو الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية”.