دراساتصحيفة البعث

مرشحو الانتخابات الأمريكية.. أي عار يحملونه!

سمر سامي السمارة

لم تجرِ الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن أي انتخابات رئاسية، إلا وفيها ​​مرشح بارز يدعم إحدى الجرائم التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية على مدى تاريخها المشين. صحيح أن الولايات المتحدة شنّت الكثير من الحروب العبثية -عبر تاريخها- المباشرة أو بالوكالة، إلا أن احتلال العراق عام 2003 –بالتأكيد- يتصدّر أحد المراكز العشرة الأولى بالفظاعة، فقد ذهب ضحيته ما يزيد على مليون إنسان، وأدى إلى زعزعة استقرار منطقة بأكملها، وإلى صعود تنظيمات إرهابية مثل “داعش والنصرة”، الأمر الذي سهّل التدخل في الشرق الأوسط.

على الرغم من كارثية ما حدث، فإن أي تغييرات حقيقية على أيّ من المؤسّسات العسكرية أو الحكومية أو السياسية أو الإعلامية الأمريكية، لضمان عدم ارتكاب فظاعة مماثلة مرة أخرى، لم يحدث، وذلك يؤكد أن القوى التي تتحكّم بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة عازمة على تكرار السيناريو نفسه. كما أنه لا توجد أية عوائق سياسية حقيقية أمام السياسيين الذين أيدوا الحرب، بل إنهم مازالوا يتقلّدون مناصب المرشحين الرئاسيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ ذلك الحين.

ويبدو أن وصول مرشحين للبيت الأبيض، ممن دعموا واحدة من أكثر الحروب كارثية في تاريخ أمتهم الملطخة بالدماء، أمر لا يقبله العقل، لكن ما يحدث يشي بالكثير عن حالة النظام السياسي الأمريكي اليوم.

ولعلّ المرشح الديمقراطي الحالي للرئاسة ليس إلا مثالاً صارخاً عن هذه الحقيقة، لأنه لم يدعم غزو العراق فحسب، بل لعب دوراً بارزاً في دفع هذه العملية. وكما توضح وزارة الخارجية الحالية: “كان بايدن في العام 2003 سيناتوراً متفائلاً بشأن دفع الإدارة الأمريكية لبدء الحرب على العراق، إذ ساعد إدارة بوش في خداع الجمهور الأمريكي الذي صوّت لمصلحة أجندة بوش وساعد في مضيها قدماً”. وكرّر بايدن الأسطورة القائلة بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل، قائلاً: “يجب نزع هذه الأسلحة من صدام حسين، أو إزاحة صدام حسين عن السلطة”.

كانت الحرب الناجمة عن قرار إدارة بوش ودعم بايدن واحدة من أكثر الكوارث دموية في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، فقد تجاوز عدد العراقيين الذين استشهدوا مئات الآلاف أو ربما الملايين، ومات 4500 جندي أمريكي، كما خلّفت عدداً لا يُحصى من المصابين بعاهات دائمة ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة لبقية حياتهم. لم يكن بايدن أول من صوّت للحرب، فقبله هيلاري كلينتون، بصفتها عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي لم تصوّت فقط لمصلحة حرب العراق، ولكنها عزّزتها بصورة حازمة في قاعة مجلس الشيوخ، ثم بعد أكثر من عام على الغزو قالت إنها لم تندم على القيام بذلك. وتحديداً في العام 2004 قالت كلينتون: “بالتأكيد، لا أندم على منح الرئيس الصلاحية، لأنه في ذلك الوقت كان في سياق أسلحة الدمار الشامل والتهديدات الخطيرة للولايات المتحدة، ومن الواضح أن صدام حسين كان يمثل مشكلة حقيقية للمجتمع الدولي لأكثر من عقد من الزمان”.

على عكس كلينتون وبايدن، لم يكن خصمهما ترامب في وضع يتيح له تسهيل غزو العراق بشكل فعّال، لأنه لم يخض المجال السياسي في ذلك الوقت. لكن إذا كان ترامب غير قادر على رؤية العراق بوضوح من المقاعد السياسية الجانبية في ذلك الوقت، فلا يعني ذلك بأن سلوكه كان سيختلف عن سلوك بايدن وكلينتون لو كان سيناتوراً أمريكياً في عام 2002. وفي عام 2004، كان جون كيري الذي رشّح نفسه ضد جورج دبليو بوش في الانتخابات، قد صوّت مؤيداً لحرب بوش في العام 2002، وكان قبلهم المرشح الجمهوري ميت رومني في العام 2012، الذي قال سابقاً في مناظرة أولية للحزب الجمهوري عام 2008: “كان  الذهاب للعراق قراراً صائباً.. لقد دعمته في ذلك الوقت، وأدعمه الآن”. جاء موقف رومني هذا حتى بعد وقت طويل من ظهور كل الحقائق، وعلى الرغم من أنه كان واضحاً لسنوات من خلال تحليل التكلفة الأخلاقية والجدوى من غزو العراق أنه كان كارثة قائمة على الأكاذيب التي تسبّبت بمشكلات غير قابلة للحل.

في الحقيقة، كلما فكرنا أكثر، كلما تبيّنت فظاعة السياسة الخارجية الأمريكية، وهو الأمر الذي يحاول فضحه اليساريون المناهضون للإمبريالية من خلال تسليط الضوء على أن الساسة الأمريكيين ليسو أصحاب امتيازات لتحديد مصير العالم.