ثقافةصحيفة البعث

ناظم مهنا استهوته القصة.. وما زال يتهيب كتابة الرواية

احتفت ندوة البرنامج الإذاعي “كاتب وموقف” مؤخراً والتي يشرف عليها الإعلامي عبد الرحمن الحلبي بالكاتب ناظم مهنا في المركز الثقافي- أبو رمانة، واحتلت مجموعته القصصية “الأرض القديمة” مساحة كبيرة من الحديث، وقد بيّن مهنا أنه تناول فيها الحكايات القديمة والأساطير وقدمها بطريقة حديثة، وكان بطلها المكان، وخاصة سورية- بلاد الشام، وعمل أيضاً على خلق أساطير موازية أو متواصلة مع القديمة، وفيها ما هو من الماضي كأسماء الشخصيات، وفيها ما هو من نسج الخيال، إضافة إلى حكايات أطلق عليها اسم “العلوم في الظلام” وهي تحكي حضارتنا الإسلامية والعربية، مؤكداً أن علاقته مع الماضي ليست سلفيّة، فتفكيره حديث، ووعيه للحداثة أنها تواصل وليست قطيعة، وأن الكثير من الكتّاب نجحوا في التعبير عن ذلك من خلال استثمارهم للحكايات القديمة في كتاباتهم.

الأرض القديمة

وأشار ناظم مهنا إلى أن “الأرض القديمة” طُبِعت عام 1997 وحاول من خلالها تحريك الجو الكتابي بعد أن شعر أن الكتابة والقصص التي تُكتَب تكاد تتشابه، محاولاً فيها إيجاد صيغة لقراءتها كرواية، فكل القصص فيها مترابطة مع بعضها، منوهاً بأن المجموعة يمكن قراءتها أيضاً كقصائد نثرية وكقصة معاصرة، وقد كتبها وهو في أعلى حالات المماحكة مع الكتابة، مؤكداً أن فن القص من أصعب الفنون الأدبية، وأن كتابة القصة مسؤولية كبيرة، وهي تحتاج إلى استفزاز العقل بأقصى درجاته، وأن التحدي الذي يواجهه كاتبها  لا يمكن فيها التمدّد بالزمن، وهي تحتاج إلى تكثيف عالٍ، وأن زمن الكتابة في القصة يختلف بين كاتب وآخر، فبعض الكتّاب يكتبون قصصهم مباشرة، في حين أنه استغرق أشهراً في كتابة بعض قصصه، واصفاً نفسه بأنه كاتب سردي، فحتّى شعره يقوم على الحكاية التي لا يستطيع التخلّص منها، وهو في كتاباته يجمع ما بين الكلاسيكية من حيث تمسكه بعناصر القصة، والرؤى الحديثة التي يُقدّمها.

الطرف الآخر للرمل

وعلى الرغم من أن ناظم مهنا قارئ جيد للرواية ولديه محاولات لكتابتها إلا أنه يميل أكثر إلى القصة لأنه يتمتع بنفَس قصير في الكتابة، ولإيمانه أنها قادرة على احتواء كل الأفكار التي يريد التعبير عنها، مبيناً أن لديه محاولات في كتابة الرواية كروايته “صياح الديك” التي نشر قسماً منها، أما الشعر فعلاقته قوية به، وقد بدأ بكتابته في بداياته، وهو ما زال قارئاً جيداً له، لكنه حتى الآن مازال يتهيّب كتابته، مشيراً إلى أن ديوانه “الطرف الآخر للرمل” الذي صدر مؤخراً يضم قصيدة واحدة كتبها بين العام 2006 والعام 2018 وهي ملحمة تُقرأ كشعرٍ وكسرد، وقد تناول فيها التحولات العربية الكبيرة وعدداً من التناقضات التي تعيشها المجتمعات العربية، منوهاً بأنه اليوم على وشك الانتهاء من كتابة مجموعة قصصية كتبها بنمط مختلف عن كتابته للقصة، وفيها نوع من التجريب والاقتراح على صعيد الكتابة.

وعن عمله كرئيس تحرير لمجلة “المعرفة” الثقافية أوضح أنه يمارس الصحافة التي لها علاقة بالوقائع ككاتب حيث بقي السرد المُتّكأ الأساس لكل كتابته فيها، ولم يخفِ أن عمله في المجلة أعاق الكثير من المشاريع لديه، ومع ذلك فهو غير متذمر من وجوده فيها لأنها كانت وسيلة جيدة للتعرف على الناس والخوض في شتى أنواع الكتابات.

متمرد

وبيّن الشاعر حسين عبد الكريم في تصريح لـ”البعث” أن مهنا قارئ نهم، وميله إلى الحكايات عملية استفزاز لعقله، وأن الاختيارات التي يضعها في مجلة “المعرفة” في كل عدد تؤكد أنه متابع لكل ما يُكتب، فهو شرس في القراءات وصبور وقادر على فعل المخيلة، فمملكة التلال عنده مليئة بالحكايات الجميلة التي تستجر الخيال وتدعمه باللغة، وأنه طفلٌ يتمرد باللغة وعليها من أجل لغة حديثة، وهو يفعل بالمخيلة جماليات في السرد والحبكة، مشيراً إلى أنه يجيد الشعر في ممرات اللغة الصعبة، ويقبض على المخيلة بشكل متكرر.

طريق صعب

وأوضح الشاعر صقر عليشي أن ناظم مهنا اختطّ طريقاً صعباً في كتابة القصيدة، لأنه اختار نمطاً يحتاج إلى متلق يتمتع بثقافة عالية ليستطيع اختراق عالمه ونصوصه، مشيراً إلى أن قصصه هي شعرٌ أكثر منها قصة، والشعر عنده مليءٌ بالحكايات والخيال والأسطورة.

ثقافة عالمية

وأشار د. وائل بركات إلى أن من يعرف ناظم مهنا قاصاً وشاعراً وإنساناً يعرف الثقافة الكبيرة التي يتمتع بها، وقد نجح في الاتّكاء على الموروث الأسطوري اليوناني والعربي والمحلي، إلى جانب الثقافة العالمية المعاصرة التي يتمتع بها، وقد تعامل مع التراث الأسطوري بتفكير وآلية حديثة.

يُذكر أن الأديب ناظم مهنا ولِد في مدينة جبلة عام 1960 وصدر له كتاب قصصي يحوي ست مجموعات قصصية، وكتاب “بابل الجديدة” وهو عبارة عن مقالات متنوعة في الثقافة والأدب، وكتيّبات عن بعض الشعراء مثل ممدوح عدوان ومحمد الماغوط ضمن سلسلة “أعلام مبدعون” التي تصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وكتب وعمل في الصحافة السورية والعربية، وساهم في تأسيس عدة مجلات ثقافية عربية.

أمينة عباس