تسعة عشر ونصف
د. نضال الصالح
باستثناءات قليلة تكاد لا تتجاوز الاثنين، فإنّ جائحة كورونا، التي صدّعت رأس كوكب الأرض منذ نحو نصف سنة، لمّا تزل غائبة عن مدوّنات الأدب، أمّا الاستثناء الأول فهو كتاب “لون الغد، رؤية المثقف العربيّ لما بعد كورونا” الذي صدر عن دار المتوسط في روما بتوقيع الكويتي طالب الرفاعي محرراً لمواده التي شارك فيها ثمانية وثمانون من الأدباء والكتّاب والمثقفين العرب ينتمون إلى تسع عشرة دولة عربية، وأمّا الثاني فهو كتاب: “شهود من أهلها، أحاديث الجائحة” الذي صدر عن دار ناشرون وموزعون في عمّان متضمناً تسعة وخمسين نصاً لأدباء وكتّاب من ثمانية أقطار عربية من إعداد وتحرير د. باسم المجالي وسجود ضيف الله.
في سورية إلى الآن، وفيما أعلم، ما من معادل تعبيريّ عن الجائحة على مستوى الأدب على الأقلّ، سوى نصّ ينتمي إلى جنس المونودراما المسرحية كتبه الشاعر مزعل المزعل: “كوفيد 19 ونصف”، الذي حاول من خلاله، بل من خلال الشخصية الوحيدة فيه، الطبيب، مقاربة تداعيات الجائحة على الذات الإنسانية المعذبة قبل الجائحة وخلالها بغير جائحة بسبب نهم قوى الشرّ إلى المزيد من تفاحة كوكب الأرض، إرهاباً أو اغتصاباً للحقوق أو فساداً أو لهاثاً وراء المزيد ممّا يسلب الإنسانيّ في الإنسان ويجعله نهباً لإرادات طاعنة في الخراب، وممعنة في استلابها لقيم الحقّ والخير والجمال.
المخرج والفنان المعروف حازم حداد تقدّمَ بالنصّ إلى مديرية ثقافة حلب، فأجازته لجنة قراءة النصوص المسرحية، وكتبت تقريراً منصفاً بحقّه وحقّ مبدعه، لكن الإجازة والتقرير لم يشفعا له ليتم تحويله من عمل لفظيّ إلى عمل مسرحيّ بتوقيع حداد، فجاء الردّ بعدم الموافقة من دون أي مسوّغ فنّي أو فكريّ أو سواهما، بل الرفض والرفض وحده، ولسان حال صاحب الردّ يقول: هذا هو رأيي، ومَن لا يعجبه فليشرب ماء البحر، أو فليضرب رأسه بأقرب جدار.
أمّا صاحب الردّ فهو ما يُوصف بأنّه مدير ثقافة حلب، الوصيّ بآن على مسرحها القوميّ على الرغم من أنّه ما مِن صلة له من قريب أو بعيد بالفنّ المسرحيّ، وقبل ذلك بأيّ شأن من شؤون الثقافة سوى كونه موظفاً، ولو أنّ الأمر انتهى عند ذلك، فشربَ أحدٌ ماء البحر أو ضرب رأسه بجدار، فلما كان ثمّة ما يدعو إلى كتابة حرف حوله على الرغم من كونه تقزيماً للجنة قراءة النصوص، واستصغاراً لشأنها، وقولاً سقطَ من كتاب الكواكبي “طبائع الاستبداد”، ولكن تجاوزه إلى التوعد والتهديد بمحاسبة كلّ مَن يوسوس شيطان الحقيقة له بالكتابة عن الموضوع، مصادراً “السيد المدير” بذلك حقّ الآخر في التعبير، الذي كفله الدستور، ومختزلاً حرّية الرأي في رأيه وحده، التي كفلها الدستور أيضاً، هو ما لا تفسير له سوى شأن واحد: البلطجة.
وبعد، فهل سينفذ “السيد المدير” تهديده ووعيده بعد قراءته هذا المقال، فأجدُ نفسي مطلوباً للتحقيق في “جريمة”؟!