تجربة على الطريق.. محاولات لشباب موهوبين
في حارة بعيدة قليلاً عن الشارع العام بمنطقة الشعلان، تجمّعَ بعض الصبايا والشباب من المهتمين بالأدب والفن ممن تعنيهم قضايا التطوّع، ويحبون أن يروا المواهب الجديدة، وآخرون شاءت المصادفة أن يمروا من هناك ليتعرّفوا على شارع صغير تحوّل إلى مكان يحتفل بالعزف والغناء والأصوات الجميلة والمواهب التمثيلية، حيث كان قد دعا غاليري مصطفى علي بالتعاون مع محافظة دمشق من لديهم مواهب الأداء الفني باختصاصاته المتنوعة (الرسم والنحت والتمثيل والرقص والتصوير الفوتوغرافي) إلى المشاركة في فعاليات ملتقى “فن الطريق” التي بدأت يوم الجمعة والمستمرة إلى نهاية الأسبوع.
من المشاركين في هذا الملتقى مشروع “the first scene المشهد الأول” الذي خطا بتجاربه الأولى بعد أن أقام عدداً من ورشات الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا وغيرها، فقدّم المشروع عرضاً مسرحياً صغيراً عن نص “المغفلة” لأنطون تشيخوف حمل عنوان “تجربة”. وعنه يقول مخرج العرض مجد سلوم، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم التمثيل: هذا الاسكتش هو تجربة فعلاً، وعندما عرض الموضوع عليّ من مديرة مشروع المشهد الأول، فكرت ما الذي سأقدّمه، فاخترت نص “المغفلة” لأنطون تشيخوف وقمنا بإعداده ليناسب بيئة الشارع ونكون قادرين من خلاله أن نلامس واقع الشعب السوري حالياً، وسمينا العمل “تجربة” لأنه على الرغم من أننا نعمل على تطوير قصة وتقديمها للجمهور، إلا أنها في الوقت نفسه هي تجربة حقيقية لنا.
وعن رضاه عن العمل أضاف سلوم: العرض الذي قُدّم ليس مسرح شارع، إنما هو محاولة لشيء للأمام، عنوان “التجربة” لم يأتِ من فراغ، فما قدّمناه هو تجربة لإمكانياتنا وخبراتنا وقدراتنا في ظل ظروف شحيحة فنياً.
العرض المسرحي الصغير الذي لم يتجاوز العشر دقائق، كان الجمهور فيه متعاوناً من حيث إعطاء المساحة المناسبة للعرض، والصمت والهدوء المطلوبين لأداء الممثلين، إذ تدور قصة المسرحية حول حدث واحد في مكان واحد بين المربية ورئيسها الذي يروي القصة بضمير المتكلم، فتبتدئ الحكاية حينما يقرّر دعوتها إلى مكتبه ليدفع لها حسابها، لكن قبل أن يدفع لها يشرع في محاسبتها على كل صغيرة وكبيرة، فيخصم لها أيام العطل، الآنية التي كسرتها سهواً مثلاً، عن كل يوم لم تدرّس فيه إما لمرض أو لعذر آخر، فتسكت لكل ذلك ولا تنبس ببنت شفة، فيتمادى ويخصم لها مقابل أشياء لم تفعلها، بل لم يحترم حتى الاتفاقيات التي كانت بينهما حول المرتب نفسه وحول مدة العمل، لكنها ككل مرة لم تردّ بكلمة، فيلومها بشدة على تهاونها في أخذ حقها قائلاً: لماذا لا تحتجين؟ لماذا تسكتين؟ هل يمكن أن تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة؟، ثم يسلّمها مرتبها كاملاً بعد أن يلقنها درساً، طالباً منها الاحتجاج والمطالبة بحقها.
أدى دور المشغّل الممثل ماهر الكريدي، خريج معهد أكاديمية الفنون الذي اعتبر مسرح الشارع مسرحاً قائماً بذاته، له خصائصه وشروطه، ومن الممكن أن يخلق فرصاً للفنان تساعده في تصدير نفسه. وعن أهمية ما قدّمه ولو في دقائق قليلة يقول: كممثل يهمني من العمل النتيجة، هل استطاع إيصال الرسالة المطلوبة للجمهور؟، على الرغم من أننا لم نتدرّب سوى لأيام قليلة جداً، إلا أنني أعتقد أن ما أردته قد وصل، فالمشهد الذي قدمناه يمثّل سورية، قصص تشيخوف اليوم نستطيع أن نطبقها على الواقع السوري وعلى ما نعيشه ونعايشه.
أما الممثلة الهاوية هالة البدين، من المشاركين في مشروع “المشهد الأول”، فقد أكدت أن أكثر ما يميّز مسرح الشارع أنه يتيح للممثل رصد رأي الجمهور ومدى التأثير وردات الفعل إن كانت إيجابية أم سلبية، والتعليقات التي تُقال بعد العرض مباشرة والملاحظات التي بالإمكان الاستفادة منها.
ثقافة التطوع
مشروع “المشهد الأول” كلّه يعتمد على مبدأ التطوّع من مدربين وأساتذة، ومن خلال هذا المشروع استطاع العديد من المهتمين الحصول على دورات مجانية في المجالات التي يحبونها. ومن المتطوعين الشباب حسين التكريتي، مدرّب ورشة السينوغرافيا، وكان مشرفاً على نغم معلا التي قدّمت السينوغرافيا للعرض، حيث قال عن ثقافة التطوّع: على الرغم من الوضع المعيشي الصعب إلا أن ثقافة التطوّع ازدادت، فالشخص لا يستطيع أن يكوّن خبرة إلا من خلال هكذا تجارب جديدة والتنوع بالأعمال، إضافة إلى أن التجارب الصغيرة التي تحتاج إلى وقت قصير لن تأخذ من وقته ومجهوده الشخصي الشيء الكثير، وهناك فئة لابأس بها من الشباب المهتمين الذين يحبون أن يقدّموا أعمالهم ويعرفها الناس، فضلاً عن أن هذه الأعمال التطوعية تساعد على بناء علاقات جديدة ثقافية بأي مجال كانت.
عُلا أحمد