ثقافةصحيفة البعث

“نوافذ” تحتفي بالمترجم والأديب حسام الدين خضور

احتفى مشروع “نوافذ” مؤخراً، ضمن ندواته التي اعتاد أن يقيمها شهرياً في مجمّع دمّر الثقافي، بالمترجم والأديب حسام الدين خضور، ورأى مدير المشروع إدريس مراد أنه كان من الضروري التوقف عند تجربة خضور لأنها من التجارب الثقافية المهمّة جداً، وهو المترجم والأديب الذي في رصيده عدد كبير من الترجمات والروايات والقصص، التي سلّط الضوء عليها د. نورا اريسيان، الأديب نصر محسن، والشاعرة سمر كلاس.

أدب السجون

تناول نصر محسن العالمَ القصصي لحسام الدين خضور وما ينطوي منه تحت اسم “أدب السجون”، حيث السجن مكان رئيسي للأحداث إلى جانب أمكنة أخرى تأتي عبر التذكّر أو عبر حلم، كما في قصة “في قاعة المحكمة” و”النفس ليست روما”، حيث المكان مغاير للسجن وإن كان سيؤدي إليه، وقصة “أبو معن” التي تتناوب فيها الأمكنة بين باريس والجامعات والسجن، مبيناً أن الزمن الحكائي يستطيل أحياناً ليصير سنوات عدة، كما في قصتَي “شاهين” و”الشيخ والمعلم”، وقد ينحصر في دقائق أو ساعات قليلة، كما في قصص “عربة الذل” و”أبدان الدم” و”عاشقة الياسمين”. أما شخصيات القصص فمعظمها، إن لم يكن جميعها، تفتقد إلى التوازن، وهذا أمر طبيعي، فالحياة في السجن غير متوازنة وغير إنسانية لافتقادها للحرية التي تمثّل أهم متطلبات التوازن النفسي، مبيناً أن السرد فيها يتناوب مع الحوار لنكون أمام كاتب متمكّن من أدواته الكتابية، وهذا ما يميز مُنجَز خضور الذي يدهشنا بسرد سلس عبر لغة موحية بدلالات لا حصر لها، وهو الذي يدهشنا بمقدمات وخواتيم مدهشة.

يكتب بحرية

وآثرت الشاعرة سمر كلاس أن تتحدّث عن ذات خضور الإنسانية من خلال أعماله الأدبية، وكيف كتب أوجاعه على ضفاف الورق، فسكب عصارة أحاسيسه، مقدّماً أصدق الصور عن معاناته كإنسان من خلال شخصيات رواياته ومجموعاته القصصية، معترفة بأنها كانت تبحث بين السطور وتلاحق شخصياته لتكتشف أين يختبئ الوجع الذي يستوطن عينيه ومسحة الحزن التي تسكن وجهه، فعرفت أنه ابن خاصرة الوطن الشمالية الغربية السليبة (لواء اسكندرون)، وكانت هذه أولى ثيمات الحزن لديه، مبيّنة أن خضور عرف موانئ كثيرة، وهذا ما جعله يكتب روايته “المرفأ امرأة” لكن المرفأ الوحيد الذي كان يشدّه دائماً هو دمشق، يعود إليها ويغفو في حضنها، موضحة أن خضور يكتب بحرية ليس لها حدود، ويضع الرقيب وراء ظهره ولا يفكر فيه مطلقاً، وقد تُرجِمَت مجموعته القصصية “عربة الذل” إلى اللغة الفرنسية في سويسرا التي دُعيَ إليها وعُرض عليه البقاء، لكنه رفض وعاد إلى دمشق ليبقى قريباً من رائحة ياسمينها.

سلاح لمواجهة الموت

وأشارت د. نورا أريسيان إلى أن خضور يبدأ صباحه دوماً على صفحته اليومية في الفيسبوك بجملة “صباح الخير، القدس عاصمة فلسطين المحتلة”، وهذا مؤشر قوي بالنسبة لها على أن شخصيته وطنية وتحمل قضايا وهموم القضية الفلسطينية. وكمترجم تعرّفت عليه في بناء اتحاد الكتّاب العرب، ورأت أن تجربة خضور في هذا المجال تجربة غنية، وهو الذي سبق أن كتب في مجلة “جسور” أن الترجمة تشكّل عند العرب رافعة للتقدّم والتطوير في جميع ميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وهذا ليس عيباً بنظره بل دليل عافية، مبينة أن غرفته كمدير ترجمة في الهيئة السورية للكتاب كانت ومازالت المساحة الأهم التي يبحث عنها المترجمون في الحياة الثقافية، ومساحته لتوظيف قدراته، وهو الذي استطاع عن طريق شخصيته الدمثة أن يبني علاقات ممتازة مع المترجمين داخل القطر وخارجه، إلى جانب تشجيع المبتدئين في مجال الترجمة، إذ قادهم إلى المساهمة في مجلة “جسور” التي يعملون فيها اليوم بفاعلية، مؤكدة أن الكتابة كانت بالنسبة له سلاحاً لمواجهة الموت، فأدهش القراء بحواراته وأثار فيهم حزناً وقلقاً، كما أن الرسالة الأخيرة من كتبه هي ضرورة التشبّث بالحياة وخوض معاركها بشكل أقوى، وهذا درس تعلَّمه القارئ من روايته “العودة من الأبدية”، منوّهة بأن خلفيته اللوائية كان لها تأثير أكبر على أفكاره وذهنيته وعقليته وطريقة تفكيره، وهي ركيزة في أعماله.

الفراشة والشرنقة

واختتم خضور الندوة بتأكيده أن الكتابة بالنسبة له حياة، فلا يستطيع أن يمضي يومه دون أن يكتب أو يترجم وكأنه خُلِقَ مترجماً، وقد وجد نفسه يكتب وكتاباته تحظى بقبول القرّاء، منوهاً بأن ما ترجمه يسهم في رفد المكتبة العربية بمعطى ثقافي معرفي جمالي لتجارب كتّاب وباحثين من لغات مختلفة، فترجم من اللغة الإنكليزية شتى نواحي المعرفة (أدب، بحوث، علوم إنسانية، علوم طبيعية)، مع حرصه على تقديم ما يمكن أن يغني القارئ العربي فنياً وجمالياً ومعرفياً بتقنيات جديدة في الأدب، لإيمانه أن الكتاب الذي لا يُقَدّم هذه الأمور لا يساوي شيئاً، مع سعيه دوماً إلى ترجمة الكتب التي تعزّز القيم الوطنية والإنسانية، موضحاً أنه بدأ الكتابة كسلاح لخوض معركة الحياة في السجن، فكتب خمسة كتب مترجمة وأربع روايات مخطوطة نشرتُ منها ثلاث هي “عربة الذل- العودة من الأبدية- سلطان”، وواحدة لم تُنشَر بعد هي “الفراشة والشرنقة”، وفي تقديره ستكون عملاً غنياً يضيف إلى الرواية العربية كتاباً جدياً، كتبها بتقنية السيناريو ويعمل جاهداً على أن تُقدّم كعمل تلفزيوني، وسيجد فيها القارئ متعة متعدّدة الأشكال حيث تتناول الحياة في البيئة الدمشقية، منوهاً كذلك برواية “المرفأ امرأة”، التي حازت على جائزة حنا مينه عام 2019، وفيها تحدث عن عالم البحر بطريقة مختلفة عن باقي الكتّاب الذين كتبوا في أدب البحر الذي أنسنه التقدم التكنولوجي، لكن بحره الذي تحدث عنه لم يعد ذلك المكان الرهيب المجهول الذي ينطوي على المغامرة.

أمينة عباس