غياب الإعلام الاقتصادي ظاهرة خطيرة؟
منذ سنوات ونحن نشهد المزيد من المشكلات الاقتصادية الكبيرة في الاستهلاك والأسعار والإنتاج والتسويق والاستيراد والتصدير، وتدني نوعية ونقص كمية بعض المواد المنتجة أو المستوردة، عدا عن تتابع ارتفاع أسعارها، وسبق أن تطرّق الإعلام الاقتصادي لجميع هذه المشكلات، وطرحها تشخيصاً وتحليلاً وحلولاً واضحة الدلالة، بأقلام وألسنة مئات الإعلاميين والاقتصاديين والمهتمين بالشأن العام، تشخيصاً لوقائع واقتراحاً لعلاجات، مع التنبيه والتحذير من مخاطر القصور في العلاج، وذلك من خلال الإعلام الورقي بنوعيه العام والخاص عبر الدوريات الورقية اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، المختصة بالشأن الاقتصادي كلياً أو في بعض صفحاتها، أو عبر العديد من الندوات الثقافية والتلفزيونية والمؤتمرات، والعديد من مراكز الأبحاث، ولكن واقع الحال أظهر أن الكثير من الطروحات الموضوعية التي كان من المتوجّب أن يتمّ تصنيفها وتبويبها وتفنيدها، من الوزارات المعنية بها ومن رئاسة مجلس الوزراء بالذات، لم تحظَ بالمعالجات الرسمية العاجلة حتى ولا الآجلة في كثير منها، بما يقارب حدّ التطلعات والتمنيات، بما يتفق مع الوعود والآمال، نظراً لضعف حكمة العديد من التشريعات، بما في ذلك قديمها وحديثها، ولقصور وضعف وفساد العديد من كبار المسؤولين والمفاصل الأدنى العاملة في إداراتهم، الذين قصّروا في متابعة تنفيذ الأكثر حكمة منها، وتخاذلوا عن المسارعة في تعديل الكثير مما هو واجب التعديل، بل من المؤسف أن بعض ما تمّ تعديله كان أسوأ من سابقه!.
أليس من الغريب أن يصدر قانون الاستثمار ويعدّل أكثر من مرة، وما زال قيد التعديل الأخير ورهن الإصدار منذ قرابة سنتين؟، وعجز الجهات المعنية عن إصدار قانون جديد للعاملين رغم الحديث عن وجوب صدوره منذ عدة سنوات؟، عدا عن فشل الكثير من الإجراءات في استثمار العديد من الإمكانات المادية والبشرية؟، ولا حرج من الدلالة على القصور والفشل من خلال الاستشهاد بتلكؤ تنفيذ الإصلاح الإداري وإصلاح القطاع العام ومكافحة الفساد، إذ ما تحقّق من ذلك هو أضعف بكثير من المأمول والممكن، أكان ذلك خلال الفترة التي سبقت الحرب العدوانية التي نعيشها منذ عشر سنوات أو أثناءها، إذ كان من المفترض بل والمتوجّب أن تكون الحرب حافزاً لتحقيق المزيد من الإصلاح والحدّ من الفساد، لأن تحقيق الانتصار الاجتماعي والاقتصادي في هذين الجانبين، لا يقلّ أهمية عن تحقيق الانتصار العسكري على الإرهاب الداخلي والعدوان الخارجي.
الملفت للانتباه أن الجهات المعنيّة لم تكتفِ بإهمال طروحات الإعلام الاقتصادي السابقة، بل عمدت مؤخراً لشلّ هذا الإعلام بأنواعه، فالإعلام الاقتصادي تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، ورقياً وتلفزيونياً وندوات، فالدوريات الورقية العامة والخاصة، التي كان يقرؤها الكثيرون يومياً، توقفت عن الصدور منذ أكثر من عام، وصدورها الإلكتروني غير متابع إلا جزئياً وعلى فترات ومن قليل من المعنيين والمهتمين، بما في ذلك المسؤولون الرسميون، وتقلّصت الندوات الاقتصادية في المراكز الثقافية وجمعية العلوم الاقتصادية وفروعها، وباقي الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي رسمياً وشعبياً، وترتب على ذلك قلّة الحضور حال حدوثها، وندرة – بل وربما انعدام – حضور الرسميين الذين تعنيهم، فكأنّ المحاضر والحضور يحدثون بعضهم بعضاً، وكثير من الطروحات الاقتصادية التي يتمّ طرحها في الاجتماعات الدورية والمؤتمرات – حال حدوثها – لجميع المنظمات والجهات الرسمية لا تُسجّل، وكثير مما يُسجّل يبقى حبراً على ورق!، والطامة الكبرى تتجلّى في ندرة الإعلام الاقتصادي التلفزيوني، فالمعاناة الاقتصادية الكبرى التي يعانيها المواطن، المستهلك والمنتج، ليست محطّ اهتمام الإعلام التلفزيوني في محطات الشاشات السورية، المتفرغة كلياً لعرض المسلسلات، فكل محطة من المحطات الأربع (الفضائية السورية – سما – دراما – الإخبارية)، تعرض عدة مسلسلات في اليوم الواحد عدا عن الأفلام الكرتونية، ولأكثر من مرة في النهار تعرض برامج اجتماعية أقرب إلى الإلهائية، وبعروض ألبسة وديكورات شخصية ومكتبية ملفتة، فماذا يعني المواطن برنامج يعرض كيفية إعداد عامل مطعم لوجبة، لا يملك كثير من المستهلكين أهم مكوناتها، بل وربما لا يعرفون أسماء هذه المكونات؟، ومع التقدير العالي لمدينة دمشق والعديد من المواقع الأخرى، ولكن ما الفائدة من العرض المتكرّر لتاريخ مدينة دمشق وتوصيف أبوابها وأسواقها، وما يماثل ذلك من أمكنة أخرى؟، ومن المؤسف أن إحدى المحطات التلفزيونية كانت تعرض برنامجاً غنائياً راقصاً، في الوقت الذي كانت مئات الحرائق تلتهم الحجر والشجر، وآلاف البشر يواجهونها بأجسامهم.
المواطن بحاجة ماسّة لإعلام مكثّف يناقش ويعالج همومه الاقتصادية، في غلاء الأسعار ونقص المواد وسوء تصنيع رغيف الخبز ونقص وزنه وارتفاع سعره، ونقص مواد الوقود وتقزيم السوق السوداء لها وللعديد من المواد، ومعالجة أزمة النقل الداخلي والخارجي وأزمة الكتاب المدرسي والحصة الدرسية، وآفاق حلم تأمين المسكن للأجيال القادمة، وحيثيات الحصار والدولار وأسعار التّجار، وقصور الرقابة الرسمية والشعبية، ومعاناة المنتجين في تأمين المستلزمات وتسويق المنتجات… الخ.
حبذا العمل مجدداً لتفعيل الإعلام الاقتصادي، من خلال العودة لإصدار وتوزيع الدوريات الورقية، وتفعيل المحاضرات والندوات الاقتصادية، وإيلاء الاهتمام لما يتمّ طرحه اقتصادياً في الاجتماعات والمؤتمرات الدورية للمنظمات الشعبية والحزبية، وأن تجهد رئاسة مجلس الوزراء لتوجيه وزارة الإعلام، لأن تكون الشاشات السورية العامة والخاصة مهتمّة بتكثيف العديد من البرامج الاقتصادية، التي تناقش آلام وآمال المواطن، مستهلكاً ومنتجاً، مع فاصل منشط بين حين وآخر، لا فواصل مثبطة متتابعة!.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية