“لآخر العمر” مقاربة الأحداث الواقعية للحرب
لم يكن التواصل مع أحداث فيلم “لآخر العمر” الذي عُرض مؤخراً في دار الأسد للثقافة والفنون ضمن عرض خاص للفنانين المشاركين والإعلاميين مجرد تواصل عادي بين جمهور وفيلم سينمائي، تقوم بتجسيد حكاياته مجموعة من الممثلين الذين أبدعوا في أداء أدوارهم، ومخرج أتقن صنع فيلم من لحم ودم، وإنما كان معايشة حقيقية للأحداث التي تناولها بكل تفاصيلها.
فيلم كبير
الفيلم من تأليف سامر محمد اسماعيل وإخراج باسل الخطيب في ثاني تجربة لهما ضمن سلسلة سينما الحرب، حيث سبق وأن قدما فيلماً روائياً قصيراً بعنوان “وعد شرف“. وأوضح الخطيب في تصريحه لـ”البعث” أن فيلم “وعد شرف” كان فيلماً قصيراً، يخدم فكرةً بسيطةً جداً، في حين أن فيلم “لآخر العمر” هو فيلم كبير، أُنتج بإمكانيات ضخمة وميزانية كبيرة، وهو يحكي عن تضحيات الجيش وبطولاته، متمنياً أن يكون خطوةً أولى وحافزاً لإنتاج هكذا أعمال، لأننا بحاجة إليها وهي ضرورية للأجيال القادمة لأنها توثق مرحلة الحرب، وهي مفصلية وحاسمة وجوهرية من تاريخنا المعاصر، مشيراً إلى أن كل فرد أثناء الحرب ومن موقعه كان يقوم بأداء مسؤولياته حين شعر أنه جزء منها، وأنها معركته الشخصية، وبناء على نتيجتها سيُحسم مستقبله ومستقبل أولاده ووطنه، وبالتالي فإن هذا الاندفاع وشعور كل فرد أنها معركته كانا موضوعاً جوهرياً في الفيلم، مبيناً أننا تابعنا خلال السنوات الماضية كل ما يحدث في سورية، وكنا على مسافة قريبة من كل الأحداث، وصورنا أفلاماً في مناطق خطرة، ولكن ميزة “لآخر العمر” أنه تكلم عن مواضيع حساسة متعلقة بالجيش، وعن شباب ضحوا بحياتهم لنعيش حياتنا اليوم، لذلك كان الموضوع شديد الحساسية وتطلَّب من المشاركين فيه أن يكونوا بحالة ولاء مطلق لهذا المشروع، متمنياً أن تكون جرعة الحب والإيمان والشغف بالقضية التي ضحى من أجلها أبطال الجيش واضحة على الشاشة. ونوه الخطيب بأن قصة الفيلم مستوحاة من مجموعة قصص وأحداث وقعت خلال الحرب، ولا يتناول شخصية محدّدة، ولو أن الفيلم استوحى بعض اللحظات التي واجهتها الإعلامية يارا صالح خلال فترة اختطافها إلا أن الفيلم في النهاية يتحدث عن شهداء الإعلام بشكل عام.
مادة درامية غنية
وأوضح الكاتب سامر محمد إسماعيل أن الفيلم هو محاولة لتوثيق جهود عشرات الإعلاميين السوريين، وخاصة المراسلين والميدانيين منهم، وتقديم قصة الصحفية المختطفة وبعض القصص الواقعية التي تمّ العمل عليها ومعالجتها فنياً من خلال مادة درامية غنية وقادرة على أن تكون لائقة بمستوى التضحيات التي قُدمت عبر تقريب المستوى الإنساني من السرد السينمائي. وأشار إسماعيل إلى أن خصوصية “لآخر العمر” تأتي من صعوبة مقاربة الأحداث الواقعية، لذلك كان لا بد من انتقاء بعض القصص لأن الفن يعتمد على المحاكاة والمقاربة وتقديم حلول فنية ومعادل موضوعي للأحداث، وكل ذلك برأيه يتطلّب مهارات مختلفة لكتابة السيناريو، الأمر الذي تطلب وقتاً غير قصير للوصول إلى النسخة النهائية منه.. وختم إسماعيل كلامه مبيناً أن فيلم “لآخر العمر” هو بمثابة ميثاق وعهد بإكمال الطريق والدرب حتى تحقيق النصر على كل قوى الإرهاب.
أجمل أدوار وائل رمضان
وأكد الفنان وائل رمضان –وقد أجمع كل من شاهد الفيلم على أن دوره فيه من أجمل وأميز الأدوار التي قام بتجسيدها حتى الآن– أنه تابع الفيلم أثناء العرض الخاص كمُشاهد وقد أحبه كثيراً، مع إشارته إلى أنه في المشاهدة الثانية سيتابعه بطريقة مختلفة ورؤية أخرى، واصفاً تجربته في “لآخر العمر” بأنها متعبة جداً وممتعة في الوقت ذاته، حيث ترافقت المتعة والتعب فيه مثل أية حالة فنية حقيقية، والفيلم يذكرنا بالأعمال القيّمة التي نشتاق إليها كثيراً، مؤكداً أن مشاركته فيه ليست إضافة لمسيرته فقط بل هو شرف له. وعن أهمية تجسيد الممثل لشخصيات وأحداث حقيقية وانعكاس ذلك على أدائه، بيَّن أننا عشنا سنوات صعبة خلال فترة الحرب بكل لحظاتها وتفاصيلها، لذلك فإن الممثل السوري –وهو فرد من الناس الذين عاشوا الحرب– لا يحتاج للبحث في الكتب ليقوم بذلك لأنه سيتحدث إما عن نفسه أو عن أشخاص يشبهونه أو يعرفهم.. من هنا رأى أن كتباً كثيرة ستُنشر مستقبلاً عنا وعما عانيناه خلال الحرب .
القناصة
وأكدت الفنانة ترف التقي التي جسّدت شخصية رشا القناصة في الجيش أنها سعيدة بتجربتها السينمائية الأولى التي كانت مع مخرج قدير يعرف ما يريد ويقدمه بأفضل شكل ومضمون، مشيرة إلى أن الدور بعيد كلياً عن شخصيتها، والفيلم يقدم رسالة إنسانية، وقد بذلت كل جهدها لتقدم أفضل ما لديها كممثلة وبشكل مختلف،مؤكدة أنها كانت تجربة متعبة لأنها تسلّط الضوء على فتاة تحارب وتقاتل إلى جانب زملائها وتواجه الكثير من المواقف التي لا تشبه حياة الفتيات، شاكرة المخرج باسل الخطيب على منحها فرصة المشاركة فيه.
مسؤولية كبيرة
وبيَّنت الفنانة رنا شميس التي جسّدت شخصية الصحفية لارا المراسلة الحربية التي تعرضت للاختطاف وعاشت كل تفاصيل الحرب وتواجدت في مناطق ساخنة في حمص وحلب وريف دمشق، أن الفيلم وثيقة لرصد مجموعة أحداث وقصص مؤلمة حدثت خلال الحرب، وأن نجاحه هو نتيجة جهود كل المشاركين فيه، حيث تعاملوا معه بمسؤولية كبيرة لصعوبة الأمانة التي يقوم بنقلها.
أكثر وجعاً
أما الفنانة سلاف فواخرجي التي كانت بين الجمهور فقد بيَّنت أن الفيلم موجع كثيراً، ووراءه جهود جبارة، وأن الوجع فيه كان مضاعفاً لأن المشاعر فيه كانت صادقة جداً، ولأن الحقيقة التي نعرفها أكثر وجعاً من ناحية أخرى. وعن رأيها بما قدمه الفنان وائل رمضان عبَّرت عن مدى إعجابها بما جسَّده وصدقه وإحساسه العالي، مبينة أنه جسّد في الفيلم شخصية مختلفة عن كل الشخصيات السابقة، موضحة أنها شاهدت مدى الجهد الكبير الذي بذله أثناء التصوير، مشيرة إلى أن هذا الفيلم كان إضافة لكل المشاركين فيه لأنه مختلف عن كل ما قُدم عن الحرب وما جرى فيها من قصص.
الأكثر غنى
وقد بيَّن وزير الإعلام الأستاذ عماد سارة في كلمته التي افتتح بها الفيلم أن الفيلم يجسّد بطولات الجيش والإعلام السوري ويعكس بطولات كل مواطن في سورية اتخذ من الوطن خندقاً وبوصلةً وعنواناً لدحر الإرهاب، وأن فيلم “لآخر العمر” ليس فيلماً توثيقياً لفترة من حياة اختطاف يارا صالح، بل هو فيلم يعكس حياة كل إعلامي واكب الجيش وكان معه خطوةً بخطوةً مطاردين الإرهاب من مكان إلى آخر.. من هنا فإن الفيلم يجسد سيرة بطولة كل إعلامي من إعلاميينا في الحرب، وقد بلغ عدد الشهداء منهم 40 قمراً وأكثر من 60 جريحاً، لذلك ورداً على وصف البعض بأن الإعلام السوري هو الأكثر فقراً من الناحية التقنية والتكنولوجية في المنطقة قال سارة: “ربما نكون الأفقر من هاتين الناحيتين بسبب الإرهاب والحصار لكننا بالتأكيد أكثر غنى بالوطنية وعشق الوطن“.
يُذكر أن الفيلم من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وهو من بطولة: وائل رمضان، عارف الطويل، رنا شميس، ترف التقي، زيناتي قدسية، باسل حيدر، سيزار القاضي، محمد حسن.. وغيرهم.
أمينة عباس