جدل حول الامتحان الوطني.. البعض يعتبره نسفٌ لخصوصيةِ كل جامعة وإلغاء للعدالة بين الطلاب!
دمشق – لينا عدرة
يُعتبر الامتحان الوطني محطةً مهمة ودقيقة في حياة الطلاب، وخطوةً أساسية باتجاه التخرج من دون أن نغفل أنه بات يُشكِّل خاصة مع بداية كل دورةٍ امتحانيةٍ عبئاً وضغطاً نفسياً كبيرا في حياة الطلاب الدراسية ! وهو من أكثر المواضيع إثارة للجدل لدى كل الأطراف سواء الكادر التدريسي أو الطلاب أو القائمين عليه، خاصةً وأنَّ مصير آلاف الطلاب يُحدد من خلاله.
خصوصية الجامعة
في حديثه لـ “البعث” تحدث الأستاذ في كلية الطب جامعة دمشق والمدير العام لمشفى الأسد الجامعي الدكتور نزار عباس عن الجدل القائم حول الامتحان الوطني ومردُّ هذا الجدل من وجهة نظره هو أنه ظاهرةٌ غيُر مألوفةٍ، تمس أمرين مهمين جداً، هما خصوصية الجامعات والعدالة للطلاب، مبيناً أنه إذا ما بدأنا بخصوصية الجامعات سنلحظ أن الامتحان الوطني يتعامل مع خريجي الجامعات مثل مرحلة التعليم الابتدائي الإلزامي: مقررات واحدة على مستوى البلاد! وهنا لا بد أن نؤكد أن الجامعات ليست كذلك، فالجامعات على مستوى العالم لها تصنيفٌ سنويٌّ، وأحياناً قد يصدر مرتين، حسب جودة الجامعة، حيث لكلِّ جامعةٍ خصوصيتها فالتمايز بين الجامعات هو أساس التطور، ونحن هنا في هذا النظام المتبع نتعامل مع كل جامعات القطر مثل المدارس الابتدائية” كلها نفس الشي”، وهو أمر غير صحيح، فجامعة عريقة مثل جامعة دمشق لا تجوز مساواتها بجامعة لا يتجاوز عمرها خمس أو ست سنوات، لأن هذا ينسف مفهوم التمايز والجودة بين الجامعات، فالجامعات العريقة كمبريدج أو أكسفورد تعتز بطالبها الذي يحمل شهادتها لأن مجال عمله سيكون أفضل ومجال دخوله بالدراسات العليا أيضاً أكثر، وهنا تكمن خصوصية كل جامعة، لذلك طريقة الامتحان الموحد تلغي خصوصية الجامعة، وهذا ما لا يجوز حصوله، فالمقررات في الجامعات غير المدارس، تختلف من جامعة لجامعة وهي أحد المعايير التي يُقاس فيها بالتصنيف الدولي للجامعات الجودة فيها إضافة على عناصر أخرى”عدد الأساتذة والمخابر والأبحاث المنشورة“.
حق الطالب
يؤكد الدكتور عباس أن حق الطالب الذي درس في جامعة معينة أن يُمتحن بالمقررات التي درسها، لأنه عندما نقوم بإجراء امتحان لكل الجامعات سواء تلك التي تجاوز عمرها 120 سنة أو الأخرى التي لم يتجاوز عمرها سنتين أو ثلاثة، حيث لكل جامعة مقررات خاصة بها، ونقوم بإجراء امتحان واحد للجميع، _ مع الإشارة هنا إلى أن هناك جامعات لم تدرس ربع مقررات جامعة دمشق على سبيل المثال- فهنا حتماً نكون قد ظلمنا الطلاب من الجهتين، نظلم طالب الجامعة الخاصة الذي يتم فحصه بمقررات لم يدرسها وهذا غير مسموح لأنه غير عادل، وطالب الجامعة العريقة الذي لا يُسأل بالمقررات التي درسها، سيّما وأنه قد تكون اللجنة الفاحصة غير معروفة “من اختار وضع الأسئلة مثلاً؟” فهناك تكتم في الحقيقة في هذا الموضوع، وهنا يكون قد مُسَّ مفهوم العدالة للطرفين سواء لطالب الجامعة الخاصة أو الجامعة العريقة! وبالحالتين الأمر غير صحيح، لذلك يفترض أن الطالب الذي دخل جامعة ما أن يُمتحن بمقررات جامعته، والهيئة التدريسية التي درسته هي من يجب أن تمتحنه، لأن الامتحان هو قياس للتحصيل العلمي لهذا الطالب وهنا نتحدث عن التخرج، أما فيما يتعلق بالدراسات العليا فهو أمر آخر والكلام حسب رأي الدكتور عباس.
تكتم غير مفهوم!
يسهب الدكتور عباس في الحديث عن الغموض والتكتم الحاصل حول من يضع الأسئلة أو من يختارها؟، مضيفاً أنه إذا كان من المفترض على من يضع الأسئلة أن يكون من أصحاب الخبرة فهو أقدم عضو هيئة تدريسية وأعلى مرتبة علمية ربما في الجامعات الأربع باختصاص الجراحة الصدرية! ومع ذلك لم تتم دعوته أبداً للمشاركة في هذا الامتحان! متابعاً أنه وبعد كل دورة امتحانية يراجعه الكثير من الطلاب للاستفسار عن أجوبة أسئلة معينة، وما يثير استغرابه أن هناك أسئلة غير معروف من وضعها؟ وما هي أهميتها وما هي الغاية من وضعها أسئلة لا علاقة لها بالمقررات؟ على الرغم أنه عند توجيه هذا السؤال إلى من يدافع عن فكرة الامتحان الوطني تم الالتفاف على الجواب! وكانت إجابتهم هي أنهم يمتحنون بالمهارات وليس بالمعلومات وهذا في الحقيقة غير صحيح، لأنني -والكلام طبعاً للدكتور عباس- رأيت أسئلة لا علاقة لها بالمهارات، عبارة عن قصص نادرة قصص غير مهمة، فالعملية الامتحانية هي ليست فقط من أجل قياس تحصيل الطالب هي أيضاً لتركيز معلومة طبية مهمة نريد أن يعرفها الطالب بعد التخرج لذلك نسأله عن قضايا مهمة بالممارسة لاحقاً لأن الطالب يجب أن يعرف العلوم الأساسية وليس الحالات النادرة، ولا يجوز أن أسأله عن حالات نادرة غير مهمة في الممارسة، إذاً هذا الامتحان يجب أن يُدخر للقبول في الدراسات العليا مثل معظم دول العالم، وعلى سبيل المثال أمريكا تقوم بإنجاز امتحان على مستوى العالم وكذلك بريطانيا، وبإمكان الطالب أن يتقدم إليه من الأردن أو من الهند أو من أي مكان ما يمنحه بطاقة دخول للتخصص للدراسات العليا سواء في أميركا أو بريطانيا، وهنا عوامل التثقيل التي تساعده غير علامته في هذا الامتحان اسم الجامعة التي تخرج منها الطالب، وليس كما نفعله هنا نربط التخرج بفحص قبول الدراسات العليا، كما ويفترض أن يكون التخرج منفصل عن فحص القبول بالدراسات العليا، وما يفعله الفحص الوطني هو أنه يدمج الاثنين معاً وهو ما يجب إعادة النظر به.
هل من حلول؟
يشير الدكتور عباس إلى أن نسب النجاح في الامتحانات الامريكية والانكليزية التي كانت وما زالت تقام هي من نصيب الخريجين من جامعة دمشق لأننا نعطيهم كماً كبيراً من المعلومات النظرية، فكما هو معروف المنهاج النظري في جامعة دمشق ضخم جداً وهذا أمر قد لا يكون إيجابي، وما يحدث عندما يذهب طالبنا للامتحان الوطني يتفاجئ بأسئلة غريبة -والعكس صحيح- لأن من وضع الأسئلة ليس هو من قام بتدريسه ولا يعرف المواضيع التي درسها..!. لذلك من المفترض أن يتخرج الطالب من الجامعة التي درس فيها، والفحص للقبول في الدراسات العليا قد يكون فحصاً وطنياً، وقد يكون الفحص الوطني للجامعات الخاصة ممكناً و مناسباً خاصةً وأنها ما تزال في مراحلها الأولى، بمعنى قد يكون مناسباً فحص موحد للجامعات الخاصة إلى أن تتبلور ويصبح لكل جامعة سمعتها الخاصة بها ودرجة تصنيف.
بدعة لا مبرر لها!
من وجهة نظر الدكتور عباس أن المراجع هي بدعة لا مبرر لها، لأنه منذ بداية وجود الجامعات الخاصة قررت لتتمكن من منافسة الجامعات الحكوميةو التدريس فيها سيكون باللغة الانكليزية لأنها ميزة وهي بالفعل ميزة لأن الطبيب يجب أن يعرف لغة أخرى وبقيت سنة أو سنتان تحاول التدريس باللغة الأجنبية ثم فجأةً لم تكتف فقط بتحويل التدريس إلى اللغة العربية بل أصبح القيمون عليها يرغبون بترجمة المراجع من الانكليزية إلى العربية، ومثلما هناك تمايز وتصنيف بين الجامعات، هناك أيضاً تمايز بين الطلاب هناك الممتاز والجيد والوسط، فالطلاب ليسوا جميعاً على نفس السوية فهناك طلاب يقرؤون مراجع وطلاب آخرون يقرؤون فقط المقرر وهذا أمر جيد، ولكن المرجع ليس للامتحان! لا يوجد دولة في العالم تعتمده للامتحان هو مرجع، والطالب قد يدرسه كله أو جزءاً منه، فهو ليس مقرراً امتحانياً.
ختاماً: لا بد من الوقوف مُطولاً عند ملاحظات الطلاب الكثيرة والمتعلقة بالامتحان الوطني وأخذ كل الملاحظات بعين الاعتبار والاهتمام، ومحاولة إزالة كل العوائق أمامهم لأننا بتنا اليوم نعاني ليس فقط من هجرة بل استنزاف كبير للخبرات والأدمغة، وأصبحنا نُجهز طلابنا على أكمل وجه لتقوم دولٌ أخرى بالاستفادة منهم ومن تحصيلهم الأكاديمي العالي.