أكبر من جزيرة وأكثر من مقصد سياحي.. أرواد منسية تفتقر لللخدمات والإمكانات
“البعث الأسبوعية” – وائل علي
ليست أرواد جزيرة سورية متوسطية صغيرة مسكونة وحسب، ولا موئلاً لمغاور الإنسان القديم، وليست حاضرة فينيقية ومنطلقاً لبحارة أشداء جابوا البحور والمحيطات، وقهروا أمواجها العاتية جيئةً وذهاباً بسفنهم الصغيرة التي صنعوها بسواعد أبنائها وبحارتها المهرة الذين اكتشفوا القارات البعيدة وشطآنها وجزرها، وتركوا آثارهم التي تدل عليهم قبل قرون من كريستوفر كولومبوس، فحق لهم أن يكونوا ربابنة البحر وأسياده بلا منازع..أرواد ليست مملكة فينيقية سورية بحرية تربعت على عرش البر الممتد من قلعتها وبقايا سورها ومسبحها الفينيقيين إلى مدينة عمريت الأثرية قبالتها لتصل إلى برج صافيتا وحصن سليمان وقلاع الحصن والمرقب والكهف وصلاح الدين وصولاً لأوغاريت وطرابلس وصور وصيداوغيرها..بل هي باختصار هبة الطبيعة الخالدة إضافة إلى ما سبق ذكره وأكثر…ولكن أين أرواد اليوم من الأمس..؟.
للأسف الشديد فإن جزيرة أرواد بزواريبها وأزقتها الضيقة وحاراتها المكتظة وأرصفتها المتعبة تعيش انفصالاً حقيقياً عن ماضيها وتاريخها العريق، إذ باتت جزيرة منسية تفتقر للكثير من الخدمات والإمكانات التي يمكن أن تجعل منها درة متوسطية بديعة، وقبلة سياحية قادرة على استقطاب الزائرين والمصطافين والسواح من كل أصقاع الأرض على غرار الجزر اليونانية والإسبانية والقبرصية اللواتي لا تبعدنّ عنها مسافة ساعات ليس أكثر… فلماذا..؟
علي نجم رئيس مجلس بلدة أرواد قدم شرحاً عاماً لواقع الجزيرة مبيناً أن مساحتها تصل إلى 3 كم2 وتبعد عن طرطوس مسافة 3 كم، ولا يستغرق الوصول إليها أكثر من ربع ساعة من خلال الزوارق المخصصة لنقل الركاب التي تنطلق من رصيف الكورنيش البحري بطرطوس، ويسكنها عشرة آلاف إنسان، فيما سجلاتها المدنية تسجل ما يفوق العشرين ألفاً، مشيراً إلى أن التنقل في أرجائها على الأقدام، فهي المكان الوحيد ضمن الخارطة السورية التي لا تدخلها السيارات على الإطلاق.
مشروع لردم 18 هـ…
بين رئيس البلدة أن أرواد بلدة سياحية بامتياز، وانطلاقاً من أهميتها السياحية تم وضع مخطط سياحي لها من أجل الارتقاء بمستواها السياحي، ويضم المخطط الكثير من النقاط الإيجابية لا سيما لجهة أنه يزيد مساحة الجزيرة ١٨ هكتار عن طريق ردم أجزاء ضمن حوض المرفأ الشمالي لإقامة منطقة صناعية، وبناء بعض المنشآت الضرورية، وإنشاء أرصفة لإنشاء واجهة بحرية تتناسب مع واقع أرواد السياحي الاستثنائي، وقد تمت الموافقة على ردم المساحات المقررة، وهناك دراسة لتبديل شبكة الصرف الصحي ونفق تخديمي يضم شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء والهاتف سيتم دراسته من قبل وزارة الموارد المائية.
اعتراضات على المخطط
أشار رئيس البلدة إلى أنه تمت مخاطبة مديرية الخدمات الفنية بطرطوس باعتراضات المواطنين وومطالبته بتعديل نظام ضابطة البناء بما يتناسب مع متطلبات الحياة ويلبي طموحات السكان, لافتاً إلى إجراء دراسة متكاملة لشبكة الصرف الصحي وفق التنظيم بلغت تكاليفها أكثر من مليار ليرة, وأخرى للرصيف البحري وهي قيد التدقيق من قبل نقابة المهندسين والمختصين بالدراسات والأبحاث البحرية، وثالثة لإعادة تأهيل الفرن في البلدة، منوهاً إلى أن مجلس البلدة بانتظار لحظ مكان الفرن على المخطط التنظيمي، كما لفت إلى منح المجلس رخصة لمشروع فندق فينيقيا بداية عام ٢٠١٩ لكن لم يتم المباشرة فيه حتى الآن، إضافة إلى أن هناك مرفأ للصيادين سيتم إنشاؤه جنوب الجزيرة يتضمن تنفيذ رصيف لترحيل القمامة إلى طرطوس، كما أن هناك مشاريع سياحية متميزة من شأنها رفع سوية أرواد من الناحية السياحية والخدمية والاقتصادية، كما تم طرح ثلاثة مشاريع في ملتقى الاستثمار السياحي العام الماضي بطرطوس شملت إشادة مطعم السفينة ومشروع، برج المنارة بارتفاع ٣٨ م، ومشروع سياحي على الكورنيش الغربي ترك اختيار نوعيته للمستثمر، لكن للأسف أن أياً من هذه المشروعات لم ينجح الملتقى بتسويقه..!.
وحدد رئيس مجلس بلدة أرواد عدداً من سلبيات المخطط السياحي مثل إزالة بعض العقارات بلا داع أو مبرر لإنشاء بعض الفنادق السياحية التراثية ومتحف الشمع وغيره، وهي أمور تحتاج لإعادة دراسة وحبذا لو يلحظ تنفيذها في المواقع المراد ردمها مستقبلاً بدل أن تكون على حساب بيوت السكان, داعياً “كمجلس بلدة” إلى تصديق نظام ضابطة البناء بحيث يؤمن مصالح السكان ويعمل على تأمين موارد مالية، ودمج بعض العقارات، وزيادة عدد الطوابق بحيث يساهم في إحداث مناطق خضراء وشوارع ومنازل صحية للساكنين.
وحول موازنة البلدة بين نجم أنها متواضعة جداً، فهي بحدود ٣٤ مليون ليرة ومن الممكن زيادتها مستقبلاً بعد إجراء بعض التعديلات على المخطط من خلال منح رخص البناء, مشيراً إلى أن حجم الواردات المالية يبلغ حوالى 5-7 مليون ليرة سنوياً بسبب الظروف الاستثنائية التي نمر بها، كما تم منح البلدة إعانة وزارية بقيمة ١٠٠ مليون لتحسين واقع النظافة نفذ منها أكثر من ٩٦% حيث تم تأمين حاويات وسلال معدنية وتصنيع عربات لنقل القمامة وشراء أدوات ومعدات للنظافة وآلية لنقل القمامة، وتنفيذ شبكة لغسيل الشوارع والإطفاء وتصنيع “ماعون بحري” لترحيل القمامة إلى معمل معالجة النفايات الصلبة بطرطوس منذ بداية العام الحالي، وتأمين عدد من البوبكات للمساعدة في أعمال النظافة.
بالاسم مشفى..!
ركز نجم على حاجة الجزيرة الماسة لتفعيل العمل بالوحدة الصحية، وزيادة الكادر الطبي لتأمين الخدمة الصحية على مدار الـ ٢٤ ساعة، وإحداث قسم للإسعاف والجراحة واعتماد نظام المناوبات، وجعل الوحدة الصحية كمشفى مصغر ليكون قادراً على تأمين الخدمات للسكان والسياح على حد سواء، ولاسيما أن طبيب الجزيرة الوحيد هو من أبنائها انتقل للعيش في مدينة طرطوس بعد تصدع منزله، فبات الأهالي بعد إغلاق الوحدة الصحية ظهراً بلا طبيب، ما يشكل خطراً حقيقياً للحالات الإسعافية المفاجئة والولادات الطارئة سيما في أوقات الأنواء والأعاصير..!.
القمع المقلوب…
بين نجم أن الجزيرة تنهل مياه الشرب من نبع السن منذ تسعينيات القرن الماضي عبر شبكة في قاع البحر لتودع “القمع المقلوب” الذي كان المصدر الوحيد للمياه العذبة منذ أن اخترعه فينيقيو أرواد قبل عشرة آلاف عام ولا يزال بالخدمة في بعض الاستخدامات وشاهداً ماثلاً للعيان حتى الآن، وترتبط أرواد بالشبكة العامة للكهرباء عبر كبل كهربائي بحري فاقت تكاليفه الثلاثة ملايين دولارنهاية القرن الفائت بعد أن ظلت لعقود تعيش على الديزل لتوليد الكهرباء والحال ذاته للشبكة الهاتفية وهذه الخدمات شكلت نقلة نوعية في حياة الجزيرة يذكرها الأرواديون بكثير من الارتياح والرضا، لافتاً في ذات السياق إلى أنه تم تجريب شبكة غسيل الشوارع والساحات والإطفاء التي نفذت حديثاً في حزيران الماضي، واعتبره مشروعاً وطنياً وإنسانياً وحضارياً بامتياز سيساهم برفع سوية نظافة الجزيرة إلى أعلى مستوى…
ولم يخف نجم الدور الرائد للمجتمع الأهلي في جزيرة أرواد من خلال مبادرات ومساهمات عائلاتها الميسورة “المادية والعينية” في هذه الظروف القاسية لحوالى٥٠٠ من الأسر المحتاجة، والتي تجاوزت قيمتها المئة مليون ليرة.