الديمقراطيون يتفانون في خدمة إسرائيل.. بايدن صهيوني وكمالا سمسارة للمانحين اليهود
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
يأمل أولئك الذين يطالبون منذ وقت طويل بوضع حد لتورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بمرشح غير ملتزم بمصالح وأمن إسرائيل اللتين تشكلان صلب السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي لم تجد نفعاً في المنطقة. لكن المأساة الحقيقية تتمثل في أنه على الرغم من التدخل الإسرائيلي شبه المستمر في الإجراءات الحكومية في الولايات المتحدة، وعلى كافة المستويات، إلا أن أي مرشح لا يكف عن كيل المديج لها والإشادة بها باعتبارها الصديق والحليف الأوثق. لكن الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة مقابل كل هذا الهراء، وهي تحول نفسها إلى عبد “لإسرائيل”، لا يظهر علانية.
تسيطر إسرائيل على الحزب الديمقراطي من خلال كبار مانحيها من اليهود الذين يرسلون المليارات بشرط حماية وتمكين وإثراء اسرائيل، بغض النظر عن الضرر الذي يلحقه ذلك بمصالح الولايات المتحدة فعلياً. حيث قال الملياردير المتبرع الأمريكي/ الإسرائيلي حاييم سابان إن مصلحته الوحيدة، هي إسرائيل، فكيف يمكن أن يكون لمثل هذا الرجل كل هذا التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، وكيف يمكن اعتبار الأنشطة الداخلية لكل من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بمثابة موت فعلي للديمقراطية التي تعلن واشنطن الحروب على الآخرين من أجلها.
في المؤتمر الوطني للمجلس الإسرائيلي الأمريكي قدمت، رئيسة مجلس النواب الأمريكي” نانسي بيلوسي” مصالح إسرائيل على مصالح بلادها، قائلة: “لقد أخبرت الجميع أنه حتى لو انهار هذا المبنى “الكابيتول” على الأرض، فإن الشيء الوحيد الذي سيبقى هو التزامنا بمساعدة أنفسنا.. أنا لا أسميها مساعدة.. تعاوننا مع إسرائيل. هذا أمر أساسي لمعرفة هويتنا”.
ليس بالمستغرب أن يتم إيلاء اليهود تمثيلاً كبيراً في الحزب الديمقراطي، فقد ضمن تأثير اليهود الديمقراطيين أصحاب النفوذ، مؤخراً، أنه لن يكون هناك انتقاد لإسرائيل، ولا ذكر لفلسطين في برنامج الحزب لانتخابات تشرين الثاني.
كانت الحملة الشعواء التي أطلقها بعض اليهود ضد الفلسطينيين متطرفة لدرجة أن الحاخام الصهيوني الليبرالي مارك وينر، أثناء حديث له خلال تجمع انتخابي للمرشح جو بايدن في فلوريدا، مؤخراً، اتهم من وصفهم بـ “التقدميين” بأنهم مصابون بـ “فيروس معاداة السامية” بسبب دعمهم لحقوق الفلسطينيين وحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحركة BDS، حتى أن أحداً لم يحاول اعتراضه. كما غردت الصهيونية “التقدمية” رابي جيل جاكوبس، عبر تويتر، حول كيفية دعم الليبراليين لإسرائيل لتجنب الإساءة لليهود. إذ كتبت: في حين أن إسرائيل- على الأرجح – هي القضية الأكثر إثارة للجدل في العالم التقدمي، فإنه، بوضع اختبار المصداقية، لا يمكن للمرء أن يعتبر نفسه داعماً لإسرائيل ومؤيداً لحل الدولتين في وقت واحد، الأمر الذي يمكن أن يؤدي لتحول الغالبية العظمى من اليهود عن اليسار. وهو ما نحتاجه عند محاربة القومية البيضاء”.
يبدو أن القوميين البيض هم الأعداء الحميمون لليهود التقدميين، الأمر الذي يتطلب تكاتف الجهود – بشكل خاص – عندما يتعرض الفلسطينيون لمعاملة وحشية. وعلى الرغم من وضوح ولاءاته، لا يغامر جو بايدن بإظهار تطرفه، إذ قال: “ليس عليك أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً.. أنا صهيوني”!. وكان في الآونة الأخيرة أدان ترامب ووصفه بأنه “سيئ بالنسبة لإسرائيل”. ولإثبات حسن نيته، قام بركل الناشطة الفلسطينية في الحزب الديمقراطي ليندا صرصور تحت الحافلة عندما ظهرت في لجنة المؤتمر الوطني الديمقراطي وهي تناقش كيفية جذب الناخبين المسلمين. كما أصدر مكتب حملة بايدن بياناً قال فيه إنه “.. كان مؤيداً قوياً لإسرائيل ومعارضاً قوياً لمعاداة السامية طوال حياته، ومن الواضح أنه يدين آراءها ويعارض حركة BDS، مثلما يفعل البرنامج الديمقراطي”.
مع هذا التقدم، من الصعب تصور أن يعترف بايدن فجأة بإنسانية الفلسطينيين الذين طالت معاناتهم.
تحدث بايدن، المقرب من إيباك، في مؤتمرها السنوي عدة مرات، وأظهر اعتراضه لممارسة أي ضغط على “الدولة اليهودية” في أي وقت، ولأي سبب، والذي من المفترض أن يشمل حماية المصالح الأمريكية وأرواح وممتلكات المواطنين الأمريكيين.
عمل بايدن أيضاً مع الرئيس باراك أوباما، وكان زميلاً في مكتب هيلاري كلينتون. كلاهما عملا كـأداة لإرضاء إسرائيل ولم يكن أي منهما على استعداد بشكل خاص لإرضاء الفلسطينيين، على الرغم من أن أوباما لا يكف عن الحديث عن السلام لدرجة أنه مُنح جائزة نوبل للسلام. ومع الكراهية الشخصية التي يكنها أوباما لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا إنه – بخطوة غير مسبوقة – زاد الأموال التي تذهب مباشرة من وزارة الخزانة الأمريكية إلى إسرائيل لتصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً، وضمنها لمدة عشر سنوات. في الحقيقة، أن الأموال التي ترسل إلى “اسرائيل” كانت ولا تزال غير قانونية بموجب القانون الأمريكي، وفق تعديل سيمينغتون، للعام 1976، الذي حظر أي مساعدة لأي “دولة” لديها برنامج نووي لم يتم الإعلان عنه، وخاضع للتفتيش بموجب شروط معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. لذا من المؤكد أن أوباما، الذي كان يدعي أنه “محام عن الدستور”، كان على دراية بذلك، لكنه كافأ إسرائيل على أي حال.
لا يمكن للمرء أن يتوقع شيئاً من كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي لمنصب نائبة الرئيس، حيث كانت، حالها كحال بايدن، لاعباً أساسياً في المؤتمر السنوي لإيباك، وتركت بصمتها بالفعل مع الحشد المؤيد لإسرائيل في الحزب، من خلال الدعوة إلى مؤتمر يضم 1800 متبرع يهودي ديمقراطي، أكدت لهم مراراً وتكراراً أن إدارة بايدن/ هاريس لن تلجأ أبداً إلى خفض المستويات الحالية من الدعم لأي “قرارات سياسية تتخذها إسرائيل”، مضيفة: “.. شخصياً.. أنا متفقة مع ذلك تماماً”. كما وعدت بالعمل على ما وصفته بـ “الدعم الثابت” لإسرائيل، وذكّرت المانحين بأن بايدن كان وراء “أكبر حزمة مساعدات عسكرية” لأي بلد على الإطلاق، عندما وقع الرئيس أوباما على تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار في عام 2016.
يشير المتفائلون إلى أن الديمقراطيين قد انتخبوا الآن عدداً من أعضاء الكونغرس المستعدين لانتقاد إسرائيل، واستشهدوا باستطلاعات رأي تشير إلى أن غالبية الديمقراطيين المسجلين يريدون معاملة عادلة للفلسطينيين دون أي تحيز كبير لصالح “اسرائيل”. ولكن، وعلى الرغم من التعتيم الإخباري على الروايات التي تنتقد إسرائيل، إلا أن ثمة تفهم على نطاق واسع بأن الإسرائيليين هم من ينتهك حقوق الإنسان، لكن هذه الملاحظات لا تبعث على الاهتمام كثيراً في الحالة التي تشتمل فيها رئاسة الحزب على أولئك الذين يديرون الانتخابات ويخصصون الأموال للمرشحين الواعدين، وهم أصدقاء إسرائيل بقوة وبحماس في كثير من الأحيان.. هذا ليس حدثاً عابراً، ويمكن للمرء أن يفترض أن جهداً كبيراً قد تم بذله للحفاظ على هذا المستوى من السيطرة.
إلى أي مدى يمكن لهذا الصدع في الحزب الديمقراطي أن يتبلور بعد تشرين الثاني؟
بالطبع، في حال فوز ترامب فسيكون هناك تشريح للجثة لمعرفة من يجب إلقاء اللوم عليه. وبالتأكيد لن يلقى باللوم على إسرائيل، ولن يُسمح لأحد بالتحدث عنها على أي حال. لكن بعض “التقدميين” على الأقل سيطالبون بمراجعة برنامج السياسة الخارجية الذي كان ثقيلاً على تعزيز الديمقراطية العالمية، والقاء الضوء على التوافق مع الخصوم، مما يجعله غير قابلة للتمييز إلى حد كبير عن برنامج الجمهوريين.
من جانبها، لعبت إسرائيل أوراقها بحذر، وهي تعلم أن كلاً من بايدن وترامب مستعدان لفعل ما تشاء، لكنها أرجأت ضمها المزمع لما تبقى من الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ما بعد الانتخابات. لقد فعلت ذلك، وهي تعلم أنه إن أتت بخلاف ذلك فقد يحاول بعض الليبراليين في الحزب الديمقراطي تحويل إسرائيل إلى قضية، وتقسيم المجتمع اليهودي الأمريكي، مع إبعاد المانحين اليهود وبعض الناخبين اليهود إذا تم الضم. بعد 3 تشرين الثاني، وبغض النظر عمن سيفوز، ستستفيد إسرائيل، وسيكون لها مطلق الحرية في فعل أي شيء تريده للفلسطينيين، أو ربما ينبغي للمرء أن يقول لـ “ما تبقى من الفلسطينيين” إلى أن يرحلوا جميعاً.