مسؤولية المثقف والأديب بالمواجهة في سلسلة الغزو الثقافي
ما دور المثاقفة بنشر الليبرالية والغزو الثقافي؟.. هذا المحور الأساسي في ندوة سلسلة الغزو الثقافي بعنوان: “الثقافة وتداعياتها- الشعر والليبرالية الأمريكية الحديثة أنموذجاً” في المركز الثقافي العربي “أبو رمانة”، والتي اتخذت طابع الحوار بمشاركة الأديب رضوان فلاحة وحواره مع الإعلامي الشاعر محمد خالد الخضر، وتطرقه إلى مسائل تمس الأدب العربي، وتناقش الشعر الجاهلي والحداثوية بقصيدة النثر، بإدارة الإعلامية رغد السودة.
كانت قصيدة الشاعر محمد خالد الخضر التي بدأ بها الندوة “الشنفرى يطلب ثأره”: “اقتل إذا اشتد الوطيس/وراء ظهرك نقمة/والأقرباء ملثمون”، مدخلاً للحداثوية، وحديث فلاحة عن الهوية الثقافية لما تمثّله من التمايز الثقافي بين المجتمعات:
*كيف نحافظ على الهوية الثقافية من الليبرالية؟ وما دور الأديب في التصدي لليبرالية والغزو الثقافي؟ وحق الفرد بالتعبير يعد خطأ أو صواباً، وما فيه من تعطيل للضمير الجمعي؟.
** قضية الهوية لا تحتمل أية مساومة أو نقاش، قضية الاستيعاب التي يشتغل عليها الكتّاب إجرامية لأنها تفتح المجال للآخرين كي يحتلوا الساحة على امتداد الوطن العربي الذي يشهد طغيان ضياع ثقافي عربي، ونحن بين حين وآخر في نضال كبير نمرر أصوات شعراء حقيقيين، وفي الواقع اشتغلت أمريكا على هذا الأمر، وللأسف، هناك إعلاميون وكتّاب تورطوا وذهبوا إلى غير انتمائهم العربي، ما عرقل المسيرة الثقافية التي سببت لنا هذا البلاء، وفي بداية الحرب الإرهابية التآمرية على سورية، وأمريكا تشتغل على محاربة الثقافة، وأتوقف عند رواية أحلام مستغانمي “ذاكرة الجسد” التي أذهلت القاعدة الشعبية، والنساء خاصة، إلا أنها دارت حول تكوين هيكل للكيان الصهيوني، وإظهار الشخصية اليهودية، إذ ورد في ص 131 على لسان كاترين: “لا أدري كيف تذكرت لحظتها روجيه النقاش صديق طفولتي وغربتي، تذكرت ولعه بقسنطينة، وتعلّقه بذكراها، وهو الذي لم يعد إليها منذ غادرها عام 1959مع أهله، وفوج من الجالية اليهودية التي كانت تريد أن تبني لها مستقبلاً آمناً في بلد آخر”، وطبعاً روجيه يهودي، وأدخلت شخصية الراقصة اليهودية سيمون تمار، ووصفتها بأنها تغني الموشحات الفلسطينية بأداء مدهش، وخالد بطل الرواية، الفنان التشكيلي، كان يلتقي مع روجيه اليهودي عند السيدة سيمون التي قتلها زوجها لأنها أحبت رجلاً عربياً.
*اتجهت إلى النقد وهو أحد المفاصل التي تركز عليها الليبرالية، فهل هي مسؤولة عن الفساد الثقافي الذي نشهده؟.
** بالعمل على تفكيك الشخصية الثقافية العربية، وإعادة ترتيبها بشكل غير منظم، والذي لا يمتلك أية قيمة ثقافية، أو الذي يهدف إلى توجيه ما أخذ تسميات كبيرة باستجلاب الضعفاء الذين لا يملكون ثقافة ولا أدباً، وزجهم بالساحة الثقافية، وأخذ الحقوق من غيرهم، وترى الشهادات الأمريكية في صفحات التواصل الاجتماعي، وهذا يعمل على تفتيت الطاقة الحيوية لهذا الجيل الذي يجب أن يقاتل، والشكل الآخر هو استحضار المثقف العربي الهام بشكل أو بآخر إلى أماكن تدس فيها أفكار الليبرالية، وأرى أن محاربة الفكر الليبرالي الثقافي مستمرة مادامت هناك ذرة تراب من أرضنا تحت الاحتلال، وعلينا ألا نذهب إلى أية تسمية: لا استشراق ولا استغراب، لا مثاقفة ولا ليبرالية، وأوضح بأنه يستند إلى وثائق ومستندات خطية أو منشورة بالصحف والمجلات، واستحضر كتاب جودت السعد “رموز تحت الرحى” من منشورات اتحاد الكتّاب العرب، وتابع عن دور الاتحاد الجوهري في محاربة الليبرالية والمد الثقافي.
*تعقيباً، هل التطبيع الذي نشهده هو نتيجة حتمية مباشرة للغزو الثقافي؟.
** الوطن هو الغاية القصوى، ونقع بالخطأ حينما نملك القدرة على استيعاب أشياء ليست لها علاقة بثقافتنا وهويتنا، فالثقافة تقف في المواجهة حينما نتمسك بالقيم والتاريخ والتراث، والأديب يكون مسؤولاً، ويحمي أخلاق بلاده والقاعدة الشعبية من الانهيار.
*برأيك، هل نستطيع أن نلغي المثاقفة ودورها من سيرورة الحياة الإنسانية؟.
**المثاقفة أمر هام جداً حين تقرأ ماذا يكتب عدوك وتشتغل على تجاوزه، أما الخطورة حين تعرف ماذا يكتب عدوك، وتتخلى عن نهجك وتكتب مثله، فهذه ليست مثاقفة وإنما ليبرالية، فلا مانع من أن أطلع على الأدب اليهودي كي أكتب أفضل منه.
* هل ترى أن قصيدة النثر تطور عن النثر الذي عُرف في الأدب العربي أم هي نوع من المثاقفة مع الآخر؟.
**أجمل النثر ما كتب في الأدب العربي على يد العرب، ونثر الخنساء حينما ناقشت حسان بن ثابت في سوق عكاظ أمام النابغة الذبياني أجمل بكثير من شعر حسان بن ثابت، الشعر الجاهلي يتصف بأنه أدب عظيم لم يترك شيئاً إلا وتطرق إليه، وأعطى حرية التعبير الكاملة للمرأة، وكذلك القصة القصيرة جداً أول من كتب عنها كان الجاحظ، ونعود إلى قصيدة النثر التي جاءت نتيجة حتمية للتطور عبر التاريخ، وكان لها دور في التصدي والمواجهة، مثل الشاعر أمل دنقل الذي كان من أكثر الكتّاب خطراً على إسرائيل، والحداثة ليست من الليبرالية.
منصات غير حكومية
تشعبت الآراء والمداخلات في الندوة، إذ رأى الباحث العراقي باقر ياسين أن القضية أخطر من المثاقفة، فأمريكا تعمل على نشر الفوضى الخلاقة التي تدمر الأوطان، فبدأت بالحرب في العراق ثم اليمن والحرب الإرهابية على سورية، وعلى المثقفين مواجهة الفوضى الخلاقة، وتحدث بكور عروبي عن الليبرالية التي تقصد إيقاظ الروح الفردية على حساب روح الأمة الجماعية، وعن الاعتراض على أن النثر جزء من الليبرالية، فالنثر عند العرب مقدس لأن القرآن الكريم أجمل ما نثر، فمن الخطأ التفكير بأن الحداثوية من مسار الليبرالية.
المفكر علي عزيز أوضح الاختلاف بين الليبرالية و(النيو ليبرالية) فالليبرالية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ابتدعتها الرأسمالية للاختراق الفكري، بينما الليبرالية الجديدة جاءت بعد الحرب الباردة، ورسمت لها الإدارة الأمريكية وظائف استراتيجية ارتبطت بالعولمة ومنصات غير حكومية، وعلى الجبهة الثقافية أن تقوم بدور تعبوي لجيل الشباب الذين يرسمون مستقبل الأوطان، وبيّن د. نزار بني مرجة الدور الذي قام به اتحاد الكتّاب العرب سابقاً في مواجهة الليبرالية حينما طُلب من أعضاء الاتحاد عدم الظهور بقناة الحرة التي تعمل على نشر الليبرالية الأمريكية، واستجابة أعضاء الاتحاد رغم الإغراءات المادية، وتساءلت نبوغ أسعد عن دور الإعلام في مواجهة الليبرالية التي تسربت إلى ثقافتنا. وخلصت الآراء إلى أن الإعلام يعمل كمنظومة لها توجهاتها، والخط الذي تشتغل عليه، وتتم مواجهة الليبرالية بالثقافة، والإعلام، وتوجيه الشباب، وإقامة الندوات التوعوية.
ملده شويكاني