بايدن “اللطيف”.. و”إنسانية” حكومة صاحبة الجلالة!!.
أحمد حسن
لم يكن عالم الاجتماع الفرنسي “بيير بورديو” يعرف أن عبارته حول وظيفة الإعلام ستصبح شعاراً دائماً لهذا الأخير، فالرجل، العالم، كان يصف ويحلّل ما يراه من دور وسائل الإعلام “في خلق إدراك وهمي للعالم الحقيقي” محذّراً ومنبّهاً من خطورة ذلك، فيما كان – ولا زال- هذا التعبير شعار مالكي هذه الوسائل المفضّل الأثير.
وخلال اليومين الماضيين خرجت علينا وسائل إعلام غربية رافعة هذا الشعار في سياق سعيها الدؤوب لتأسيس ذاكرة عالمية بديلة على الطريقة الهوليوودية المعروفة، ففي مقال، مثير، لـ”وول ستريت جورنال” الأميركية، علمنا!! أن الرئيس الأمريكي ألغى ضربة جوية ثانية كانت مقررة على سورية في شباط الماضي بسبب تواجد “امرأة وطفل” في موقع الضربة، وفي وثيقة مسربة حصل عليها موقع “أوبن ديموكراسي” الالكتروني، علمنا أيضاً!! أن بريطانيا، تدرس تقليص مساعداتها الإنسانية لدول تشهد نزاعات بنسبة تصل إلى الثلثين، بسبب معاناتها هي من الأزمة الاقتصادية. رغم معرفتها بأن هذا الأمر “سيسبب دماراً لبعضٍ من أكثر الناس ضعفاً في العالم”.
بالطبع تداول الإعلام العربي..!! التقريرين بحرفيتهما، ودون قراءة أو تفنيد، بل بإجلال واضح للموقف الأمريكي، وتعاطف جلّي مع “حكومة جلالة الملكة”، وبالطبع أيضاً وصل المطلوب بدقة: صورة “بايدن”، البطل الأمريكي الطيب، وهو يمتنع عن معاقبة الشرير العربي وإبادته، من أجل امرأة وطفل كانا في المكان والزمان الخاطئين، وصورة بريطانيا الخيّرة التي دفعتها الظروف الاقتصادية الصعبة لتقليص مساعداتها للخارج، ومنه سورية التي سيحكمها قرار التخفيض بنسبة 67 في المائة، وهي التي لم تقدّم أصلاً إلا المساعدات للإرهابيين.
وبالطبع أيضاً وأيضاً لم يسأل أحد عن عدد النساء والأطفال الذين يقتلهم بايدن يومياً في سورية، وغيرها، سواء بالغارات الجوية، أو عبر العملاء المعروفين، أو بسبب العقوبات الاقتصادية الجائرة وغير الشرعية باعتراف العالم كله، ولم يسأل أحد أيضاً عن نوعية المساعدات البريطانية الإنسانية ولمن كانت تُوجّه وكمّ الدمار الذي سبّبته فعلياً، وهذا أمر كشفته الوثائق البريطانية ذاتها سواء ما نشر منها على موقع “ميدل ايست أي”، أو صحيفة “ديلي تلغراف” أو غيرهما من الوسائل التي فضحت دور لندن في الحرب الإعلامية على سورية عبر “تشكيل تصورات الرأي العام العالمي للحرب عليها وفق ما يريده الحلف المعادي لها حيث قادت بريطانيا بشكل فعال مكاتب التنظيمات الإرهابية وأنتجت مواد دعائية مضللة موجهة للسوريين في الداخل وللجمهور البريطاني أيضاً”.
هذا -بالعودة إلى “بورديو”- عنف رمزي كامل الأوصاف، لكنه في حالتنا منتج “طبيعي” للدماء، أي أنه أيضاً، وأولاً، عنف فعلّي وإرهاب موصوف عابر للقارات، كان مثاله الأوضح، والأفضح، التغطية الإعلامية الإيجابية التي قدمتها القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني “لتلميع صورة قتلة الأطفال المعروفين في حلب، أي تنظيم حركة نور الدين الزنكي الإرهابية، التي قامت بقتل الطفل عبد الله عيسى البالغ من العمر 12 عاماً بطريقة وحشية بعد اختطافه”.
بالمحصلة، لندن وواشنطن تواصلان أجندتهما المعروفة في سورية. وسائل الإعلام التابعة لهما تواصل “خلق إدراك وهمي للعالم الحقيقي”. العرب يواصلون خضوعهم -واستمتاعهم!!- لهذا “الإدراك الوهمي” منذ خطابات السير “هنري مكماهون” لـ”الشريف حسين” التي كان يبدأها قائلاً: “إلى السيد الحسيب النسيب، سلالة الأشراف، وتاج الفخار، وفرع الشجرة المحمدية والدوحة القرشية الأحمدية، صاحب المقام الرفيع والمكانة السامية، السيد ابن السيد..الخ”، فيما “حكومة صاحبة الجلالة” التي يمثّلها تمنح، في اللحظة ذاتها، من لا يستحق مالا تملك، وتطعن “الشريف” في ظهره لصالح “ابن سعود”.. وما أشبه الليلة بالبارحة!!..