هجرة النحل كارثة تنعكس على الزراعة.. إنتاج العسل يتراجع من ٣٢٠٠ طن إلى أقل من 500 طن
“البعث الأسبوعية” ــ ابتسام المغربي
خبر قرأته في منشور صديق يشرح فيه مخاطر هجرة النحل وانعكاساتها على الأشجار المثمرة، وبقاء الغابات والتنوع الحيوي.. خبر يمرّ دون أن يلتفت إليه أحد، ولكن إقامة معرض للنحالين كان دافعاً للبحث في هذه المشكلة، وما يعترض عمل النحالين من أعباء، رغم أن هذا العمل ذو تكاليف منخفضة ولا يحتاج إلى رأسمال كبير، ولا إلى مساحات كبيرة، فهو قطاع له نظامه الذي يحتاج إلى تسهيلات مطلوبة وصولاً إلى زيادة إنتاجنا من العسل الذي يعتبر من أفضل أنواع العسل في العالم.
إصابات فيروسية
المهندس إياد الدعبول رئيس اتحاد النحالين العرب ورئيس أمانة دمشق أشار إلى وجود حالات هجرة للنحل حيث يبقى العسل والشمع في الخلايا ولا يوجد نحل أبداً، مؤكداً عدم وجود إحصائيات تضبط هذه الظاهرة ومنعكساتها في سورية، مشيراً إلى أنه سبق وتم بحث هذا الموضوع عالمياً في مؤتمر شاركت فيه سورية في ملبورن بأستراليا، بحضور علماء من معظم دول العالم، ووجدوا سبب إصابة الخلايا بطفيلية القراد والإصابات الفيروسية، وتمت معالجة الأسباب وانخفضت الهجرة التي وصلت إلى ما يقرب من النصف في أمريكا، والثلث في ألمانيا.
صعوبة الترحيل
وأشار الدعبول إلى أن المشكلة الأكبر بالنسبة للنحالين في سورية تتعلق بعدم انتقال المناحل إلى المراعي، حيث يوجد في سورية خمسة مراعٍ متعاقبة الإزهار من الساحل إلى القامشلي ومن الشمال إلى الجنوب في سهول درعا ووادي اليرموك؛ ولكن بسبب صعوبة التنقل لم يعد النحالون ينقلون الخلايا ويعتمد الأغلبية على تغذية النحل بالسكر، منوهاً إلى اختلاف العسل الناتج من التغذية عن العسل المجموع من رحيق الأزهار والأنزيمات التي تضاف إليها من معدة النحلة.
تراجع بالإنتاج
وأشار رئيس اتحاد النحالين إلى أن إنتاج العسل السوري كان٨٠٪ منه جيداً وناتجاً عن زيارة النحل للأزهار، و٢٠٪ يعتمد على التغذية، أما الآن فانعكست الأرقام حيث هناك ٢٠٪ منه جيد والباقي مغشوش بالتغذية، مضيفاً في هذا السياق أن إنتاج سورية من العسل كان سابقاً في عام ٢٠١٠ يقارب ٣٢٠٠ طن ينتج هذا الرقم ٦٣٠ ألف خلية، وللأسف تراجع الإنتاج لعدة أسباب منها الأزمة وصعوبة التنقل وترحيل الخلايا، ليقل الإنتاج عن ٥٠٠ طن، والخلايا فقط٢٠٠ ألف خلية وعدد المربين لا يتجاوز ١٤٠٠٠ نحال بعد أن كان قبل الأزمة ٣٠٠٠٠.!.
ورغم أن العسل السوري من أجود الأنواع العالمية لتنوع المراعي والبيئة السورية، لكن هناك متطلبات يحتاج إليها النحالون منها أن توفر لهم الحكومة مادة المازوت للتنقل ونقل المناحل ومادة السكر لتغذية النحل وقت الشتاء وعدم وجود أزهار لتغذية النحل، وإعفاء مستلزمات الإنتاج من الرسوم الجمركية، وتوفيرها لأن تشجيع النحالين يساهم في مضاعفة المواسم الزراعية من خلال التلقيح الخلطي الذي يساهم به النحل للأزهار.
نحل مصاب
من جهته السيد رضوان البدوي رئيس جمعية تربية النحل في دمشق وريفها أوضح أن سبب هجرة النحل هو مرض يدعى النوزيما، ودخل بلادنا من خلال إدخال نحل مصاب بالفيروس من مصر، وهذا المرض يؤدّي إلى اختفاء النحل وموته بعيداً عن الخلية، معتبراً أنه المفروض منع استيراد النحل من بلد توجد به الإصابة الفيروسية، حتى لو كان من خلال المساعدات، فليس من المعقول ولا مبرر حسب الأنظمة الزراعية في سورية استيراد نحل من بلد مثبت وجود هذا المرض عنده، لأن قلة النحل تنعكس على الأشجار المثمرة ويضعف إنتاجها بنسبة عالية تقارب النصف وبالتالي ينعكس على المردود التجاري وعلى أسعار المنتجات الزراعية.
عصام عودة رئيس الرابطة السورية لطب وتربية النحل أشار إلى أن الجهات العامة ممثلة بوزارة الزراعة واتحاد الفلاحين وبدعم من النقابات مثل نقابة المهندسين الزراعيين ونقابة الأطباء البيطريين لديهم خطط لدعم تربية النحل ومكافحة أمراضها، لكن التصدي لظاهرة هروب النحل لم تستطع إيقافها الدول المتقدمة فما بالك بالإمكانات المتواضعة بحثياً وعلمياً التي تمتلكها جهاتنا العامة المسؤولة عن النحل، حيث لا يوجد منهج واضح لدعم قطاع النحل، وإنما العمل حسب الظروف. وأشار عودة إلى أن هجرة النحل ظاهرة عالمية وتحدث أضراراً بالغة الخطورة، حيث فقدت مثلاً الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ثلث نحلها خلال خمس سنوات، وكمثال بسيط على تأثير انحسار النحل في المزروعات بين أنه ومنذ سنتين لم ينقل النحالون نحلهم تجاه مزارع دوار الشمس في حلب فأدّى ذلك إلى أن معظم أقراص دوار الشمس خرجت فارغة وغير مجدٍ تسويقها.
ويرى عودة أن المطلوب دعم إقامة المعارض الخاصة بالعسل لأن ذلك يحقق الفائدة المشتركة للنحال وللمجتمع، حيث كثيراً ما يشكك الناس بوجود عسل صافٍ أو نحالين ثقات، ليتعرف المستهلكون على ما ينتجونه من عسل صافٍ، مشيراً إلى وجود مشكلات في تربية النحل أهمها تلك التي تواجههم أثناء نقل النحل وقلة المراعي بسبب تضرّر القطاع الزراعي والأحراج والأمراض المنتشرة بالنحل بسبب دخول هجائن من النحل بشكل عشوائي، معتبراً أن
كل ذلك يعكس عدم وجود خطة منهجية لإعادة الاهتمام بسلالة النحل السوري الرائعة ذات الإنتاجية العالية، ويحتاج هذا العنوان إلى تعاون الجميع ممن لهم رأي وعمل وقرار في تربية النحل.
النحال فتحي جمعة يقول: إن مشروع النحل هو مشروع اقتصادي ذو عائد ممتاز، يمكن البدء به برأسمال قليل والمردود للقيمة المضافة كبير، فضلاً عن فوائد منتجات الخلية على الصحة ودعم القطاع الصحي والغذائي بكلفة بسيطة نسبياً على المجتمع السوري بشكل كبير جداً، وبالتالي لابد من دعم هذا القطاع بحيث يكون هناك جهة واحدة تتبع لها كل الجمعيات والهيئات، وذلك للخروج بخطة واضحة لدعم هذا القطاع، مع الحرص على اعتماد سجلات معتمدة لكل نحال ولها صلاحية السجل التجاري لأن أغلب النحالين ليس لديهم عقار تجاري يمكن أن يستخرج عليه سجل تجاري، لكي يستطيع النحال تسويق إنتاجه ضمن الأنظمة المرعية، وحفظ حق المنتج، والطلب من الجهات المعنية في وزارة الزراعة أن تتم حملة التشجير للغابات من الأشجار الرحيقية والملائمة للبيئة لدينا مثل شجرة الأكاسيا وشجرة السدر، لافتاً إلى مشكلة الترحيل خاصة أنه لا يعترف ببطاقة النحال من أية جمعية كانت، للمساعدة في عملية الترحيل.
ليس بهذه البساطة
إن تتبّع إنتاج العسل والاطلاع على متاعبه وتراجع الإنتاج إلى ما دون العشر، والأمراض التي تتسبب بهجرة النحل للخلايا وما ينعكس من ذلك على الغطاء الأخضر والمحاصيل والأشجار، يتطلب اهتماماً يركز على منع الأسباب التي كانت وراء الإصابات الفيروسية، وعدم إدخال الهجائن من البلدان التي ظهر الفيروس فيها، وهذا ما يتطلب تعاون كل الأطراف من وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين ونقابة المهندسين الزراعيين واتحاد النحالين العرب والجمعيات والروابط التي تعمل بهذا العمل وتنتج العسل ومنتجاته الكثيرة… جهد ذاتي يقوم به معظم من يعمل بهذا العمل يحتاج إلى دعم وتسهيل الحصول على المواد اللازمة للخلايا وعمل النحالين، ويجب عدم إهمال الجانب المتعلق بأثر النحل بتلقيح الأزهار وزيادة إنتاجها، وهذا ما يتطلب تسهيل تنقل النحالين مع مناحلهم إلى المراعي التي تتوزع بكل سورية وهذا يحتاج إلى قرارات خاصة بذلك وتخصيص النحالين بمخصصات الطاقة اللازمة لتنقلهم والعناية بمناحلهم، واستعادة الدور المهم لإنتاج العسل السوري المميز الذي ساهمت سنوات الأزمة بإضاعة جانب كبير منه.