شهرزاد الحكاية
سلوى عباس
ربما كل أم ترغب أن تكون شهرزاد تحكي الحكايات وتقرأ القصص لكل الأطفال، متمثلة جدتها التي كانت تأسرها وأخوتها عندما كانوا صغاراً بحكاياتها، ما يدل على أن ثمة الكثير من القصص المذهلة حول القدرات السحرية للقراءة للأطفال منذ المراحل العمرية الأولى والتي تفوق الخيال نفسه، والتي تدفعنا للتساؤل عن مدى أهمية القراءة للأطفال، وتأثيرها في حياتهم على صعد الحياة المختلفة، كحال تلك الطفلة التي كانت تحضر كل مساء مجموعة قصص تعطيها لأمها من أجل أن تقرأها لها، وكانت كلما أخطأت الأم بكلمة تردها الطفلة بالعبارة الصحيحة، وعندما سألتها والدتها: “إذا كنت تحفظين مضمون هذه القصص لماذا تتعبيني بالقراءة”؟ فأجابتها: “لأنني أحب أن أسمعها بصوتك”.
هذه الطفلة رغبت أن تختار الحكاية التي تحب أن ترويها لها والدتها حتى لا تكون أسيرة حكايات الجدات التي اعتادت الأمهات جميعاً والآباء أيضاً على روايتها لأبنائهم، فهي كما كثير من أبناء جيلها تحتاج لحكايات أخرى تخاطب فكرها وعقلها مختلفة عن الحكايات القديمة، والتي ربما تشبهها في مضمونها، لكنها مختلفة في أسلوبها.
هنا تحضرني مقولة لأحد الشعراء أوردها على لسان طفل أراد أن يعبّر عن حبه للقراءة فقال: قد يكون هناك أشخاص أغنياء يملكون ثروة حقيقية من الأموال والكثير من مصادر الغنى والثراء، لكنني أغنى منهم لأن لدي أماً تقرأ لي كل يوم، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على القدرة السحرية للقراءة للأطفال بصوت الأم في المراحل العمرية الأولى التي تساعد على تنمية خيالهم ومهارات التفكير الإبداعي لديهم من خلال تقديم القصة وقراءتها بالطريقة التفاعلية، والتي تنطوي على تلوين الصوت، وتغيير تعابير الوجه بحسب الشخصية والحدث، ومشاركة الأطفال بقراءة القصة، وإتاحة المجال أمامهم للتعبير عن أنفسهم.
ولا يخفى على أحد قدرة القراءة على تنمية خيال الأطفال، لأنه غذاء أرواحهم، ولنا في القصص الشعبية والأساطير خير مثال حيث تشد انتباه الأطفال لغناها بعناصر الخيال سواء الشخصيات المتعددة أو الأساليب القصصية المتبعة في سرد القصة، وكذلك الأماكن التي تحصل فيها هذه الحكايات، لكن تنمية خيال الأطفال لا يتوقف فقط على العناصر الخيالية، بل يكمن أيضاً في طريقة قراءة القصة للأطفال، كأن يتم التوقف عند عقدة القصة وسؤال الأطفال عن الحل، وتلقي إجاباتهم، أو دفعهم لتوقع نهايات أخرى، الأمر الذي يؤدي بشكل أو بآخر إلى إثراء مخيلاتهم وتشجيعهم على الإبداع.
أيضاً القراءة للأطفال تنمي مهارات التواصل الاجتماعي لديهم إذ تحتوي قصصهم على خبرات وتجارب حياتية لشخوصها وأبطالها، إضافة لتجارب وخبرات من يقص عليهم هذه القصص والذين يختلفون حسب كل مرحلة عمرية للطفل وحسب اختصاصاتهم، فتغني بدورها تجربة الأطفال وخبراتهم وتكسبهم مهارة التعامل مع مواقف ومشكلات الحياة المشابهة، كما تساعدهم على تحقيق التوازن النفسي والعاطفي، الذي تساعد قراءة القصص ورواية الحكايات على تأمينه، من خلال الطقس الحميمي والمشاركة، والحوارات التفاعلية، بما يتيح للطفل التعلم بطريقة غير مباشرة، تاركة له مساحة كبيرة من الحرية، إضافة إلى أن التركيز على القصص ذات النواحي الفنية العالية، من حيث الشكل والمضمون ينمي ذائقة الأطفال الفنية، والفن هو أحد أهم مرتكزات ثقافة اللاعنف. فهل لنا أن نعيد ارتباط أطفالنا بالكتاب ونختار لهم الكتب التي يحبونها ويستمتعون أثناء قراءتها لهم، فليس أهم من القراءة في بناء شخصية الطفل وتكوين هويته الثقافية، ونأمل أن يكون للطفل حصته التي تغنيه عن المغريات التكنولوجية التي استحوذت على اهتمامه من خلال أنواع الكتب التي تتضمنها معارض شهر الكتاب الذي تقيمه وزارة الثقافية حالياً احتفاء بيوم الكتاب السوري، وبما يلبي احتياجاته.