حلب.. الشراكة بين “العام” و”الخاص” في مواجهة “الإمكانيات المتواضعة” و”السياسات الغائبة”!!
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
أسباب كثيرة حالت دون إنضاج الشراكة بين القطاع العام والخاص على المستويين الخططي والتنفيذي، فالواقع الحقيقي يؤكد أن هذه الشراكة غير مكتملة العناصر وأن تقدمها وتطورها بطيء ويكاد يكون معدوما في الكثير من المفاصل والجوانب، وأم ما يعيبها هو غياب الجدية في تنسيق الأدوار وتنظيم المهام الموكلة، بما يتماهى وينسجم مع المتغيرات والتحولات الاقتصادية والمعيشية والحياتية التي فرضتها الظروف الراهنة والمستجدة؛ وبالتالي جاء التعاطي مع هذا الواقع متخبطا وخجولا وفي حدوده الدنيا، ولا يرتقي إلى الشراكة النوعية المطلوبة في هذه المرحلة تحديدا كهدف مباشر لإخراج القطاع الاقتصادي من مآزقه وتصويب مساراته ضمن دورته الإنتاجية الاعتيادية والمتنامية.
خطوات متباعدة
على مدى السنوات الأربع الماضية، استضافت حلب عشرات الملتقيات والمنتديات الاقتصادية التي لم تأخذ توصياتها ومخرجاتها طريقها إلى حيز التنفيذ والتطبيق، ويعزو البعض من الاختصاصيين الأسباب لضعف وتواضع الإمكانات المالية والفنية والتقنية، فيما يرى البعض الآخر أن المشكلة تكمن في غياب السياسات الاقتصادية الواضحة والمرنة التي تلبي متطلبات واحتياجات المرحلة الراهنة والمستقبلية، وهو ما يزيد من الهواجس والقلق، ويؤخر عملية التشبيك بين العام والخاص، ويقلل من فرص الاستثمار، على الرغم من وجود البيئة والأرضية المناسبة والملائمة للاستثمار في مختلف المجالات، والتي أكثر ما تحتاجه -راهنا ومستقبلا- مزيدا من النضج والقرارات الشجاعة والجريئة الكفيلة بتبديد المخاوف والقلق لدى أصحاب رؤوس الأموال المترددين.
تحديات
لا شك أن الصناعة بحلب تواجه تحديات كبيرة، ومع أنها تخطت الكثير من الحواجز والمعوقات، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لكسر حالة الركود والركون التي تشهدها بعض القطاعات الصناعية خاصة بما يخص الصناعات النسيجية وغيرها من الصناعات المنتجة، فالحاجة تبدو أكثر من ماسة لردم الهوة بين الفريق الاقتصادي والأسرة الصناعية بمختلف مكوناتها، والعمل على حلحلة كافة الإشكالات التي تعيق زيادة الطاقة الإنتاجية، من خلال إصدار تشريعات وقوانين جديدة محفزة تسهم في جذب المستثمرين ورؤوس الأموال المهاجرة.
ويرى عدد كبير من الصناعيين والتجار المتعثرين أن إعادة إطلاق عجلة الإنتاج تحتاج إلى رؤى شاملة ومتكاملة، تضمن توفير مستلزمات الإنتاج، وبالتالي مساحة أوسع من التبادل التجاري، وتحقيق قوة تنافسية جديدة تضع المنتج الوطني السوري على قائمة الطلب والعرض محليا وإقليميا على أقل تقدير خلال هذه المرحلة، قبل الانطلاق إلى المستوى الدولي من خلال عقد الاتفاقات والصفقات التجارية والمشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية، ويبقى ذلك مشروطا باستكمال عقد الشراكة بين الحكومة وفريقها الاقتصادي وبين القطاع الخاص، وهنا يبرز دور غرف الصناعة والتجارة كشريك في تحديد اتجاه البوصلة نحو حماية المنتج الوطني وتوفير الحماية والدعم للصناعة السورية، يضاف إلى ذلك ترجمة ما اتخذ من قرارات في الملتقيات الاقتصادية إلى واقع ملموس، خاصة بما يتعلق بملف القروض المتعثرة وجدولتها ومنح قروض جديدة وتسهيل وتبسيط الإجراءات بما يتعلق بملفات إعادة التأهيل والترميم وإصدار التراخيص، وإبداء المرونة من جانب الفريق الاقتصادي الحكومي بما يتصل بتخفيض الضرائب والتحصيلات المالية عن الفترة السابقة والحالية لتمكين الصناعيين من الإقلاع مجددا بمنشآتهم ومعاملهم وورشاتهم.
حركة بلا بركة
استكمالا للمشهد الراهن غير المتوازن، يحدد البعض الآخر من المختصين والصناعيين على السواء مرتكزات العمل التشاركي، من خلال إيجاد صيغ عمل ناجعة تقوي الروابط وتدعم روائز البناء الأساسية للصناعة السورية وفق رؤية استراتيجية تعطي الزخم المطلوب للشراكة المطلوبة، وتدعم القوة الإنتاجية والشرائية على السواء، وعلى نحو يجعل من صناعتنا الوطنية قوة تنافسية فاعلة ومؤثرة وقادرة على الصمود والنمو بشكل تراكمي مستمر في الأسواق المفتوحة المحلية والخارجية وفق خطوات تحفيزية حمائية ذكية ومؤقتة تعيد بناء الثقة الاستثمارية بمعايير دولية عصرية، مشيرين إلى أن الحلول الإسعافية والترقيعية غير مجدية. وبالتالي لا بد من وضع قواعد جديدة للعمل التشاركي توفر بيئة إنتاجية سليمة، وأن تسهم في تحقيق الحراك التجاري المطلوب في هذه المرحلة، لا أن تكون بلا بركة كما هو الحال حاليا، خاصة أن العملية الإنتاجية أصبحت مكلفة للغاية مقابل ضعف وتدني القوة الشرائية وانخفاض الدخل، ما يؤثر سلبا على الإنتاج والمردود الذي يسجل عموما أدنى معدلاته قياسا مع السنوات السابقة.
عمل متواصل
في هذا الجانب، يشير المهندس حازم عجان المدير العام للمدينة الصناعية في الشيخ نجار إلى أن الجهود مستمرة لإعادة نبض الحياة للقطاع الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري، وتهيئة أفضل الظروف لتعميق هذه الشراكة، مضيفا بأن المدينة الصناعية في الشيخ نجار شهدت في الآونة الأخيرة قفزات نوعية على مستوى إعادة تأهيل البنية التحتية وتنفيذ المشاريع الخدمية والإستراتيجية، ما ساعد على توسيع مساحة الإشغالات في المدينة لمختلف الفئات والشرائح، ودخول معامل ومنشآت مرحلة العمل وتحديث وتطوير خطوط الإنتاج.
توحيد المسارات
في الإطار ذاته، يؤكد عامر الحموي رئيس غرفة تجارة حلب أن الجهود مستمرة لتوحيد مسارات العمل، وبما يحقق التكاملية المطلوبة والشراكة الحقيقية بين كافة الجهات المعنية، مشيرا إلى أن الشراكة القائمة حاليا مع مجلس المدينة لإنجاز مشروع سوق الهال القديم سيعطي دفعا قويا للحياة الاقتصادية والتجارية والسياحية على وجه الخصوص، وهو يشكل ركيزة مهمة في عملية البناء وتنشيط وتفعيل وسط المدينة والحياة التجارية، إلى جانب ما يتم الاشتغال عليه حاليا لإعادة تأهيل وترميم الأسواق القديمة ووضعها في الاستثمار والخدمة تباعا، وكل ذلك يدعم الشراكة بين القطاع العام والخاص، ولكن يبقى المطلوب إحداث صدمة إيجابية في المشهد العام من خلال تحديث القوانين والتشريعات لحلحلة الكثير من العقد والملفات الشائكة خاصة بما يتعلق بالملكية والإيجارات وغيرها من الجوانب المتعلقة بالجمارك والضرائب والفوترة والقروض المتعثرة، وبما يساعد في كسر حالة الركود الحاصلة في آليات العرض والطلب، ويقوي من حضور المنتج الوطني كسلعة منافسة سعرا وجودة.
ويؤكد الحموي أن الغرفة تعمل حاليا على توفير مناخات استثمارية جديدة وتنشيط الحياة التجارية من خلال تحويل فندق الأمير المملوك من قبل الغرفة إلى مشروع تجاري متعدد الأغراض وطرحه للاستثمار بهدف تحقيق ريوع ومداخيل مالية تتناسب مع صفة المكان وموقعه الإستراتيجي وسط المدينة، ويتضمن المشروع وفق رؤية الحموي تغير مواصفات الموقع إلى مكاتب تجارية وقاعات للمؤتمرات ومطعم بانورامي، وتحقيق خدمات كبيرة ومهمة لمجتمع رجال الأعمال، لتحريك العجلة الاقتصادية في حلب وفتح أسواق جديدة للمنتجات والبضائع السورية”، وكذلك الأمر سينسحب على موقع سوق الخالدية وأن النية ستتجه قريبا إلى تحويله إلى مجمع تجاري لبيع مواد البناء وإعادة الإعمار، والتي تتضمن مواد المفروشات والإسمنت والسيراميك والتجهيزات الصحية والمعدات الكهربائية وغيرها من لوازم البناء، وإمكانية استثمار هذا الموقع كصالات مكونة من طابقين، مساحة كل صالة نحو ١٠٠ م٢، بسعة حوالي ٨٠ صالة تجارية، وكشف الحموي أن الغرفة تقوم حاليا بالتعاون والتنسيق مع شركة الدراسات للبدء بوضع المخططات الهندسية والإنشائية لإطلاق المشروعين قريبا جدا.
رؤية شاملة
يدخل مجلس مدينة حلب أيضا على تدعيم خط الشراكة بين القطاعين والخاص لاسيما فيما يتعلق بالشق الخدمي، إذ أوضح رئيس مجلس المدينة الدكتور المهندس معد المدلجي أن مجلس المدينة يعمل على كافة الجبهات وهو حريص على تقديم كل الدعم اللازم والمطلوب للنهوض بالواقع الاقتصادي، مشيرا إلى أن العمل جارِ لتوسيع دائرة الخدمات، وتأهيل البنية التحتية لكافة المدن والمناطق الصناعية والأسواق وغيرها من البقع والمناطق في المدينة ومحيطها.
وأوضح أن العمل مستمر ضمن رؤية إستراتيجية مدروسة تحقق التكاملية في عملية البناء الشامل التي تشهدها محافظة حلب على مختلف المستويات، وخاصة في القطاع الخدمي وحاليا بصدد تنفيذ العديد من المشاريع التنموية بما يخص التطوير العقاري وتنشيط الوسط التجاري وتقديم الخدمات المطلوبة للفعاليات التجارية والسياحية في المدينة القديمة وتهيئة البيئة الخدمية المناسبة لمعاودة فتح المحال التجارية وتسريع تأهيل الأسواق القديمة المتضررة، مبينا أن مجلس المدينة يرفع من درجات التنسيق والتعاون مع كافة الجهات المعنية لتسريع وتائر العمل والإنجاز ضمن ما هو متاح من إمكانات ودعم حكومي، ولفت الدكتور مدلجي إلى أن مجلس المدينة بصدد تنفيذ عشرات المشاريع الخدمية هذا العام والتي من شأنها أن تدفع بالعملية التنموية قدما.
ختاما
مما تقدم، وبموازاة ما يبذل من جهود على مستوى النهوض بالقطاع الاقتصادي والخدمي على السواء، يمكن القول أن بالإمكان ردم الهوة التي تفصل بين العمل الخططي والتنفيذي وذلك من خلال إيجاد قواسم مشتركة بين العام والخاص ضمن أجندة عمل واضحة ومكتملة العناصر تؤدي بالنتيجة إلى حلحلة كل العقد التي تعيق العمل، والتفكير جديا بتعزيز المناخ الاستثماري برؤى متطورة وبقوانين وتشريعات تكون ضامنة وحاضنة لبيئة العمل الخاص والعام على السواء وهو السبيل الوحيد والأقرب للوصول إلى نقطة التحول الحقيقي والاستراتيجي والانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التنفيذ والإنجاز.