هيئة المشروعات تشمّل 17 مشروعاً استثمارياً جديداً.. وخبراء يؤكدون ضرورة عدم إبقائها حبراً على ورق!
“البعث الأسبوعية” ــ ميس بركات
على الرغم من صعوبة المرحلة الماضية محلياً ودولياً، وتعدد مفارقاتها السياسية والاقتصادية، ساهمت منظومة الاستثمار في سورية خلال العامين الماضيين في رفد الاقتصاد الوطني بمجموعة جيدة من الاستثمارات النوعية التي سيكون لها الأثر البالغ في مواجهة التحديات المستقبلية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث بلغ حجم التكلفة التقديرية للاستثمارات المستقطبة، بموجب مرسوم تشجيع الاستثمار، خلال العام الماضي، 193 مليار ليرة، و8815 فرصة عمل جديدة تعود لـ 121 مشروعاً شملت قطاعات متنوعة وواعدة كالزراعة وتربية الحيوان والصناعة، لاسيما الصناعات الزراعية، إلى جانب الطاقات المتجددة والنقل. وفي وقت تؤكد هيئة الاستثمار السورية سعيها لتوفير البيئة الاستثمارية الصحية لتعزيز ثقة المستثمرين بما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، متمثلاً بانعقاد مؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين في ظل الأزمة واستقطاب عدد من المستثمرين، إضافة إلى الإقبال الكبير الذي شهده معرض دمشق الدولي من قبل مستثمرين ورجال أعمال، إلّا أن أهل الاقتصاد يؤكدون على ضرورة تأطير القوانين الاستثمارية بأطر سهلة وجاذبة في ظل الجمود الكبير الراهن في البيئة الاستثمارية، والذي بدوره أدى إلى ركود اقتصادي والاتجاه نحو “اقتصاد الفوضى”.
ترويج للاستثمار
هيئة الاستثمار السورية أكدت على تضافر الجهود خلال الفترة الماضية لدعم وجذب المستثمرين، وبحسب مدير عام هيئة الاستثمار السورية، مدين دياب، فإن الاستثمار في فترة ما قبل الحرب كان خياراً، لكنه اليوم أمر حتمي بما يضمن استمرار عجلة التنمية والإنتاج؛ وتسهّل الهيئة اليوم العمل وتروّج للمناخ الاستثماري في سورية، لاسيّما وأن مقومات الاستثمار كثيرة رغم سنوات الحرب، حيث شمّلت الهيئة، خلال الربع الأول من هذا العام، 17 مشروعاً في مختلف القطاعات الصناعية والاستخراجية والزراعة والنقل، توفر 663 فرصة عمل، وبتكلفة استثمارية 31 مليار ليرة سورية، في حين بلغ عدد المشاريع المشمّلة العام الماضي 72 مشروعاً، وفّرت 10039 فرصة عمل، وبتكلفة استثمارية وصلت إلى 1474 مليار ليرة سورية.
وتحدث دياب عن أهمية الخارطة الاستثمارية التي أطلقتها الهيئة لدعم جميع القطاعات، والتي إذا تم تطبيقها بشكل فعلي سنخرج من عنق الزجاجة والحرب الاقتصادية باعتمادنا على الموارد المحلية والابتعاد عن الاستيراد.
مأسسة
مدير الهيئة أكد خلال حديثه على تبني الهيئة للمستثمر من الخطوات الأولى لانطلاق المشروع وحتى نهايته، فمشروع الملح الطبي هو مشروع نوعي طرحته الهيئة لتوفر المادة الأولية بملايين الأطنان، وهو فرصة مغرية للمستثمرين، بدلاً من الاستثمار في الأمور الريعية، كذلك الأمر بالنسبة لمشروع معمل حليب الأطفال في محافظة حماة، والذي يعتبر من المشاريع التي قدمت الهيئة فكرته وانتهى من البنى التحتية وسنشهد نهاية العام أول إنتاج فعلي له، وغيرها من المشاريع التي تساعد الهيئة المستثمر في تقديم فكرتها والأخذ بيده خطوة بخطوة مروراً بالتأسيس ضمن تكلفة وفترة محددة.
وأشار دياب إلى الآلية التنفيذية لخدمات المستثمر التي أطلقتها الهيئة عام 2018، وتم عرض الإجراءات التي تحتاجها الهيئة على الحكومة لتنظيم العملية الاستثمارية بكل مراحلها، حيث تم تقديم باقة من الخدمات للمستثمر وصولاً لمأسسة العملية الاستثمارية للمشاريع بشكل متكامل، بما يرفع مرتبة سورية كما كانت قبل الحرب، كما تم وضع آلية جديدة لمتابعة المشاريع حيث يتم تشكيل لجنة فنية في كل محافظة من ممثلي القطاعات وأعضاء المكتب التنفيذي وفروع هيئة الاستثمار للكشف على المشاريع وتوصيف واقعها؛ وتم العمل بهذه الآلية وعرض المشاكل وتبنيها وحلّها، إذ عملت الهيئة خلال الفترة الماضية على مشروعين مهمين وهما المحطة الواحدة للمستثمر التي تهدف لتطوير منظومة تراخيص الأعمال كأولوية لتشجيع الاستثمار والعمل بالتشارك مع الجهات العامة لعدم فرض أي أعباء تنظيمية وتبسيط إجراءات وتنفيذ النشاط الاستثماري، وبالتالي تكوين مركز معطيات موحد للهيئة والجهات العامة في الهيئة بهدف تطوير وتحسين بيئة الأعمال من خلال الربط التقني الإلكتروني بين الهيئة والجهات العامة وفق المعايير القياسية العالمية واعتماد نظام الكتروني متكامل لأتمتة العملية الاستثمارية، كذلك مشروع الخارطة الاستثمارية الوطنية والذي يهدف إلى تحديد خيارات الاستثمار في سورية وترتيب أولوياتها وتوجيهها قطاعياً وجغرافياً للنهوض بالقطاعات ذات القيمة المضافة العالية والمحفزة للنمو المعتمدة على موارد مادية وبشرية محلية.
تشبيك فعّال
ولم ينف مدير الهيئة وجود عقبات إجرائية ومالية “مصارف وقروض” وعدم وجود آلية مرنة لتمويل المشاريع التي تنحصر اليوم بشكل أكبر ضمن نطاق المستثمر المحلي، فعلى الرغم من أن القانون رقم 8 لعام 2007 لم يميز بين المستثمر المحلي والأجنبي إلّا أن نسبة المستثمرين الأجانب اليوم لا زالت قليلة، لذا فإن الخارطة الاستثمارية للهيئة تعمل على التشبيك الفعال لبناء شبكة تضم أهم الأطراف العامة المعنية بالعملية الاستثمارية لخدمة مصالح المستثمر، كذلك تشجيع ودعم المستثمر الخاص ليكون مكملاً للقطاع العام في عملية إعادة الإعمار واستعادة مسيرة التنمية، إضافة إلى الرعاية المتكاملة للمستثمر من خلال بناء علاقة طويلة الأمد مع المستثمر، فخدمات الهيئة تتعدى تأسيس المشروع وتستمر طيلة عمر المشروع، وتعمل الهيئة كوسيط نزيه بين المستثمرين لإقامة شراكات فاعلة تجمع ما بين المستثمرين المتعثرين بسبب التمويل، والمستثمرين الباحثين عن فرص استثمارية لتوظيف أموالهم.
تحديات استثمارية
أهل الخبرة تحدثوا عن تحديات كثيرة تواجه الاستثمار اليوم في سورية، وعن تراكم غير مبرر لخطط وضعت خلال سنوات الحرب للنهوض بواقع الاستثمار في المرحلة الراهنة، ولم نلمس لها أي نتيجة فعلية حتى الآن، متسائلين عن وقوع الهيئة في فخ الروتين وعدم خروجها من حلقة التعقيدات في تشميل المشاريع خلال هذه الفترة، وغياب اليد العاملة الناهضة بهذه المشاريع المشمّلة لتبرر الأخيرة البطء في انطلاق المشاريع بالوقت المحدد، وعدم قدرة أي مشروع على إبصار النور قبل أعوام لمرور المشروع بمراحل عديدة وإجراءات كثيرة تتطلب فترة زمنية ليست بقصيرة، ووجود تنسيق كبير بين الهيئة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لرفد المشاريع باليد العاملة.
وفي هذا السياق، يبين الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن البيئة الاستثمارية اليوم ليست مشجعة نتيجة الوضع الاقتصادي وعدم ثبات سعر الصرف وتراجع دخول المواطنين مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي مستثمر يقوم بدراسة السوق وقدرة المواطن على الاستهلاك قبل المباشرة بمشروعه، وهذا قد يقف عائقاً في وجه المستثمرين، فالوضع الاقتصادي اليوم أوجد اختناقات كبيرة وبالتالي انكماشاً في الأسواق، لتنحصر مجالات الاستثمار في بلدنا على المستوى العقاري والصناعي والسياحي والصحي، وأشار شهدا إلى جملة من العوامل التي تعزز البيئة الاستثمارية أهمها رفع قدرة الدخل على الاستهلاك وحل موضوع الطاقة والعمل على إيجاد طاقة بديلة تخفض التكلفة وتؤمن استمرار التيار الكهربائي، كذلك إصلاح بعض القوانين التي تعيق دخول الصناعي لسوق الاستثمار كقانون الضرائب، إضافة لفتح أسواق خارجية لتدير الإنتاج السوري والتنسيق بين المصارف وهيئة الاستثمار على أساس متابعة المشروع.
حسم ضريبي
كذلك يؤكد الخبير الاقتصادي محمد جودت ناصر على أهمية تطوير قانون الاستثمار والتشريعات الضريبية والمالية بما يضمن مصلحة الدولة من جهة والمستثمر من جهة أخرى، مع ضرورة إزالة العقبات الروتينية التي تقف في وجه الاستثمار من خلال تحديث القوانين الإدارية بما يضمن التنفيذ الصحيح للخريطة الاستثمارية، مع متابعة المشروع الاستثماري في جميع مراحله وعدم الاكتفاء بتشميل المشروع ورقياً فقط، مشيراً إلى أن الاستثمار يعاني من عدم توفر تنظيم محدد يشرف على عملية الاستثمار من بدايتها إلى نهايتها ويساعد في اختيار الاستثمار وتوفير المعلومات عنه، وتسويق منتجاته وتصديرها وتحويل أرباحه وتصفيته.
وهنا يؤكد مدير الهيئة أن الهيئة تقدم مزايا وحوافز للاستثمار، وتخفيضات ضريبية، حيث تخضع المشاريع الاستثمارية لمبدأ الحسم الضريبي الديناميكي يصل أقصى معدل ضريبي في أعلى شرائحه إلى 28% على الأرباح الصافية، أما الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها على الاكتتاب العام بنسبة لا تقل عن 50% فمعدلها الضريبي 14%، وساهم ذلك في زيادة إقبال المستثمرين لإقامة مشاريعهم ما أدى إلى نمو مضطرد في حجم الاستثمارات حيث بلغ حجم الاستثمارات التراكمية في المدن الصناعية في العام الماضي 967 مليار ليرة سورية، ساهمت في توفير 7309 فرصة عمل في هذه المدن، كذلك ارتفع عدد الشركات الأجنبية المستثمرة في المناطق الحرة في 2019 بمعدل 20%، وبلغ رأس المال المستثمر 24.5 مليون ليرة سورية، في حين انخفضت المشاريع الزراعية في ذات العام إلى مشروعين اثنين بتكلفة 126.5 مليون ليرة، كما بلغت الاستطاعة المتولدة من مشاريع الطاقات المتجددة 9809 كيلو واط من خلال 39 مشروعاً منفذاً حلال الأعوام 2017 – 2018 – 2019، في حين انخفض عدد المشاريع المستقطبة في قطاع النفط إلى مشروعين جديدين بتكلفة 62.5 مليار ليرة، و200 فرصة عمل متوقعة خلال العام نفسه، مشيراً إلى أهم المشاريع التي شمّلت منذ بداية هذا العام بمشروع إقامة مزرعة لأشجار النخيل وإنتاج التمر، ومشروعين لاستخراج الزيوليت وإنتاج الأسمدة والأعلاف واستخراج الطف البركاني ومشروعين لنقل الركاب داخل سورية وخارجها، إضافة إلى مشروع استخراج وتصنيع الملح الدوائي لأغراض طبية، وجميع هذه المشاريع مدعومة بكافة الحوافز والتسهيلات الممكنة لتسريع دخولها في مرحلة الإنتاج بغية النهوض بالاقتصاد الوطني.