ثقافةصحيفة البعث

الأدب الهجين إلى أين؟

وجدت الضّوابط الّتي تحدّد طبيعة ومقوّمات وشكل الأجناس الأدبيّة لتمييز كلّ جنس عن الآخر من جهة ولتحديد الخطوط الفاصلة فيما بينها من جهة أخرى، وتطوّرت هذه الضّوابط عبر تاريخ طويل جدّاً حتّى وصلت إلينا بشكلها المعروف دون المساس بهذه الخطوط أو محاولة هدمها، وإنّ دقّة هذه الضّوابط وتشدّد المختصّين بمجال النّقد الأدبيّ بالقياس عليها لم يمنعا من ظهور قامات لا حصر لها، نفخر بها عبر تاريخنا الطّويل وحتّى الأمس القريب وهي معروفة بلا أدنى شكّ ومحفورة في ذاكرة الجّميع ولا مجال هنا لذكرها.

في العقود الأخيرة طرحت قضيّة الأجناس الأدبيّة من خلال تصّور جديد لطبيعة شكلها، تتلخّص بإزالة الحدود الفاصلة بين نمطيّ الكتابة المعروفين وهما الشّعر والنّثر، بدأت بمحاولة التّخلّي عن عمود الشّعر العربيّ المعروف حتّى وصلت للتخلي التّامّ عن الإيقاع الموسيقي المرتبط عضويّاً بهذا الشّعر والاستعاضة بما سمّي فيما بعد بالموسيقى الدّاخلية والمقطع الصّوتيّ عبر أجناس هجينة مثل قصيدة النّثر والنّص السّردي وصولاً للنّصّ المفتوح، وقد لاقت هذه المحاولات رفضاً شديداً وعدم تقبّل في بداياتها لأنّ الذّائقة العربيّة وجدت بها شكلاً منحرفاً عمّا ألفته وتعوّدت عليه من قبل إلا أنّها انتشرت رغم ذلك، وساهم بانتشارها تّطوّر التكنولوجيا الرقميّة الّذي أدّى لثورة أدبيّة وسمح كذلك بتمازج الثّقافات بشكل متسارع وظهور أجناس أدبيّة غريبة تماماً عن الثّقافة العربيّة مثل القصّة القصيرة جدّاً والهايكو والتّانكا على سبيل المثال، وجعل الباب مفتوحاً على كافّة الاحتمالات لظهور أجناس أدبيّة لا حصر لها.

ورغم أنّ شيوع ظاهرة ما خلال مدّة زمنية ما مهما طالت نسبيّاً لا يعني بالضّرورة صوابها أو أنّها ستبقى وتترسّخ، إلّا أنّ احتمال استمرار تلك الظّواهر وإمكانيّة رسوخها يجعل منها قيمة مضافة إلى الأدب بشكل عامّ بغضّ النّظر عن تصنيفاته المعروفة سابقاً.

وما يؤخذ على هذه الثّورة الأدبيّة أنّها رغم فتحها المجال واسعاً أمام احتمال ظهور إبداع أدبيّ لا حدود له وتقديمها قامات أدبيّة حداثويّة شكّلت علامات فارقة رغم ندرتها إلّا أنّها كذلك فتحت الباب على مصراعيه لكلّ من هبّ ودبّ للكتابة دون وازع ولا رقيب بسبب اختلاط الأجناس الأدبيّة وعدم وجود ضوابط واضحة المعالم يمكن القياس عليها ممّا أدّى لتغييب قسريّ للنّقد عن المشهد الأدبيّ ومنع النقّاد من القيام بدورهم الطّبيعيّ، واقتصار دورهم على المتابعة وبعض المحاولات الخجولة والمرتبكة لتوصيف هذا المشهد وانتظار ما سيحدث مستقبلاً.

وما يطرح نفسه بإلحاح هنا، هو التسّاؤل عن أسباب تأثّر أدبنا العربيّ رغم أصالته وتجذّره بعاصفة العولمة والحداثة الّتي أدّت لانهيار كلّ مقوّماته بهذا الشّكل وأسباب انعدام تأثيره على الأدب العالميّ ؟.

أمين إسماعيل حربا