دراساتصحيفة البعث

انسحاب من مقبرة الإمبراطوريات

تقرير إخباري

مع مقتل كل طفل في أفغانستان، أو في أي مكان يكون للولايات المتحدة الأمريكية قوات فيها أو قواعد أو معسكرات، تتعرى الديمقراطية الأمريكية التي تروّج لنشرها حول العالم، لأن هذه الديمقراطية هي في نهاية المطاف انفجارات وحروب داخلية.

قبل أيام قامت الطائرات الأمريكية بقصف مدرسة في العاصمة الأفغانية كابول بحجة نشر الديمقراطية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 80 طفلاً وإصابة نحو 150. وسط هذا العنف، تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان ململمة خيبة الأمل، بكلمة أخرى هي تنسحب بطعم “الهريبة” من “مقبرة الإمبراطوريات”، تاركة البلاد لفوضى لا يمكن لأحد قراءة مستقبلها.

ولنفي التهمة عنها وإلصاقها بالجماعات الإرهابية، أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً تدين “الهجوم الهمجي”، وتقدّم التعازي للضحايا وعائلاتهم، وتدعو إلى “وقف فوري للعنف والاستهداف الأحمق للمدنيين الأبرياء”. هذا النفاق كان مادة دسمة للسخرية على منصات التواصل الاجتماعي التي أجمعت على أن واشنطن هي السبب في تدمير أفغانستان، وأن انسحابها لن يعيد البلاد إلى الفوضى كما تتوقع أو كما يحاول الصقور في البنتاغون وشركاؤهم في مصانع الأسلحة الترويج له.

حقيقة الأمر أن الحرب التي افتعلتها الولايات المتحدة بحجة مكافحة الإرهاب، وراحت أفغانستان ضحيتها، كانت حرباً فاشلة بكل المقاييس، بل تسبّبت بنتائج مدمرة لأفغانستان والمنطقة برمتها. وعن الانسحاب الأمريكي قال محلّلون: “بالغت الولايات المتحدة بإنجازاتها في أفغانستان، وزعمها بأن المهمّة قد اكتملت هي حجة واهية، لأن الصراعات والاضطرابات ما زالت مستمرة في أفغانستان”.

هناك من يرى أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية سيعاد فتح صندوق باندورا، وستستمر الصراعات، ويتصاعد العنف، وهناك من يرى أن كلّ ما تريده الولايات المتحدة هو إخراج قواتها من أفغانستان وإعادة نشرها في المحيطين الهادي والهندي لمواجهة العملاق الصيني، والحدّ من القوة الروسية العسكرية الصاعدة.

بكل الأحوال لا تحتاج الولايات المتحدة لشهادة بأنها صانع الكوارث الإنسانية، فمعظم الصراعات العسكرية الإقليمية والحروب في جميع أنحاء العالم التي شنّتها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت باسم الإنسانية ونشر الديمقراطية، لكن كان الهدف هو الهيمنة والحفاظ عليها على هذا النحو.

لذلك ستظل الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الأفغاني وباقي شعوب العالم وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة إلى الأبد. صحيح أن قواتها ستغادر أفغانستان، لكن الكوارث الإنسانية التي تسبّبت بها لن تختفي بانسحابها.

عناية ناصر