ثقافةصحيفة البعث

مجدداً.. اللغة النقدية أمام حائط المبكى!

أحمد علي هلال

ثمّة شكوى مازالت تتواتر – ولو على استحياء – في الأوساط الثقافية، ليس حول غياب دور الناقد فحسب، بل وغياب اللغة النقدية وبمسوغات عديدة ليس أقلها اختلاط هذه اللغة باعتباطية المصطلحات والمفاهيم التي تسم الكثير من سلوكيات القراءة النقدية، وربما للمسألة أكثر من وجه ولعلها ستتعيّن بشكل أو بآخر في طبيعة وماهية هذه اللغة والتي يتوسل غير ناقد أن يجعلها لغة محايثة للإبداع، فقد تثير هذه الشكوى -القديمة الجديدة- بعض الشجن في ما يتعلق بوظيفة النقد وحضور الناقد أو بغياب طرف منهما.

فالسؤال هنا سيتعدّى لأسئلة كثيرة، منها: هل اللغة النقدية بفعاليتها النقدية متعالية على النص المرصود، وهل هي في الوقت عينه شطحات بلاغية تعوزها الرصانة، وأخيراً من يمتلكها ليستطيع إيصال رسالة المبدعين إلى المتلقي بمستوياته المختلفة؟.

بالطبع هنا ليس الأمر محض استدعاء لسياق تاريخي للغة النقد ومستوياتها وخصوصيتها وتركيبها، بقدر ما هو استدعاء لثقافة الناقد ومرجعياته المؤسّسة وقدرته على استثمار وتوظيف المصطلحات والأفكار والتيارات والمذاهب الأدبية فيما يخدم النص، بمعنى آخر هي قدرته المعرفية على الاشتقاق والحفر، انطلاقاً من ذائقته ومعرفته ويقينه بأن النقد هو علم وفن بآن معاً، وعليه فشأن المقاربات النقدية على الأرجح ألا تذهب أبعد من رؤية الإبداع بوصفه قرين النص ودالة الاتساق بين إشاراته المختلفة، وذلك ما يجعل من لغة الكتابة النقدية لغة محايثة للنص من أجل فتح في الأفق المعرفي وبأدوات منهجية لا تستأثر بمنهج دون غيره، بقدر ما تحيل النص إلى تكاملية المناهج على الرغم من أنها قد تتبدى للناقد بمنهج بعينه، ذلك أن النص الأدبي ليس محض كون لغوي، بل صيرورة قد تشي بديناميتها للمبدع ونصه، وبمعنى آخر أيضاً أن اللغة هنا نتاج خبرة جمالية تقوم على الوضوح المنهجي وليس التبسيط المخلّ بالنص، وبالمقابل ليست حشداً عشوائياً للمصطلحات وأرضنتها قسراً في سياق القراءة، فالوضوح المنهجي قائم على استيعاب المنهج أولاً وبما يشكّل المدخل الواعي للقراءة، فضلاً عما يستدعيه النص بذاته من سيولة معرفية ينهض لها النص بوصفها مرايا تتجلّى فيها إبداعية الناقد وكيفيات صوغه على المستوى الجمالي والفكري، وعلى مستوى القبض على المحفزات التي ينهض لها ذلك النص بصراً وبصيرة تقرّب إلى الأفهام جدلية العلاقة بين النقد والإبداع بخصوصيتها وخصوبتها التي تستدعي فهم سياقاتها الفلسفية والاجتماعية، ولتكون المقاربة بما يعني أفعال الارتقاء بالمنهجية العلمية وبالحساسية الإبداعية أكثر من مجرد الانكفاء لشروح مبتذلة لا تعني النص من قريب أو من بعيد، بل تعني الثقافة ذاتها بوصفها تعبيراً عن حضارة روح وفكر وعقل.